- حينما يكون الشعر قاتلا !

تبادل جرير والفرزدق الهجاء أكثر من أربعين سنة ،
وكان كثير من الشعراء ينزلقون في هذه المناظرة مؤيدًا شاعرًا على آخر، وهذا ما حدث للراعي النميري حيث انحاز إلى الفرزدق على
حساب جرير حيث قال :

يا صاحبي دنا الرواح فسيرا ، غلب الفرزدق في الهجاء جريرا


استكفه جرير فأبى أن يكف، فلم يمهله جرير كثيرًا بل أعد له في اليوم التالي قصيدة تتكوّن من97 بيت من الشعر، وأتى سوق المربد بعد أن احتل الناس مراكزهم وأسرج ناقته عند مجلس الفرزدق والراعي النميري وألقى قصيدته، وقد أسماها (الدامغة)

لأن جريرًا دمغ بها الراعى النميري أي أصاب دماغه ويقال أنه مات كمدًا من هجاء جرير، وكان أهجى بيت في القصيدة قوله:

فغض الطرف إنك من نمير .... فلا كعباً بلغت ولا كلابا

وهذا بيت مأثور أدرك فيه غاية الهجاء للراعي النميري، إذ إنه دعاه أن ينكس نظره ويخفض جبينه ذلاً ومهانةً لانتسابه إلى النميريين الأذلاء، الذين لم يبلغوا منزلة كعب (قبيلة والدته) ولا منزلة قبيلة كلاب (قبيلته).

ولما كتب جرير هذا البيت أطفأ مصباحه ونام لأنه رأى أنه بلغ حاجته وشفى غيظه من بنى نمير .
ويقول الراعي النميري: خرجنا من البصرة، فما وردنا ماء من مياه العرب إلا وسمعنا البيت قد سبقنا إليه حتى أتينا حاضر بني نمير ،
فخرج النساء والصبيان يقولون: قبحكم الله وقبح ما جئتمونا به،

ومنذ ذلك الحين سميت بالدامغة، حتى أخذ بنو نمير يغيّرون قبيلتهم وينتسبون إلى قبائل أخرى

ومن أبيات القصيدة:

أَعَدَّ اللَهُ لِلشُعَراءِ مِنّي.......... صَواعِقَ يَخضَعونَ لَها الرِقابا
أَتَلتَمِسُ السِبابَ بَنو نُمَيرٍ....... فَقَد وَأَبيهِمُ لاقوا سِبابا
أَنا البازي المُدِلُّ عَلى نُمَيرٍ.......أُتِحتُ مِنَ السَماءِ لَها اِنصِبابا
فَلا صَلّى الإِلَهُ عَلى نُمَيرٍ.........وَلا سُقِيَت قُبورُهُمُ السَحابا
وَلَو وُزِنَت حُلومُ بَني نُمَيرٍ........عَلى الميزانِ ما وَزَنَت ذُبابا
فَغُضَّ الطَرفَ إِنَّكَ مِن نُمَيرٍ.........فَلا كَعباً بَلَغتَ وَلا كِلابا

@Barbie