12-19-2017
|
|
|
جمال تلين له قسوة الحياة
دائمًا ما يحفز كل جميل نفوسنا نحو السعي لامتلاكه بعد استحواذه على عقولنا وقتًا طويلًا، لكن الجمال أحيانًا يبلغ من الأشياء حولنا حدًا يشق علينا المثول أمامه بذواتنا الحقيقية التي لا يخفى على الناظر إليها من بعيد ما تعانيه من إضناء وتعب، ومن ثم يقودك الجمال لأن تقابله بجمال مقارب.
بعض الجمال يجردك من فطرتك الإنسانية المحبة للاقتناء في لحظة تختلط فيها داخلك مشاعر الدهشة والتمني والثورة، تقف مشدوهًا كيف اعتصرك زحام العالم حتى أصبحت هذا المتدني بفطرته إلى الحيوانية بحبه للتملك، متمنيًا أن تكون شخصًا على درجة أعلى من الإنسانية بقدرته الأكبر على المشاركة والعطاء، ثائرًا على الأيام التي وقفت حائلًا بينك وبين بلوغك هذا الجمال، ثم ينقلك إلى حالة ملائكية لا تكون معها إنسانًا يتمنى ربط هذا الجمال في أذهان الناس باسمه أو الاحتفاظ به لنفسه وإنما روح ترك فيها الجمال سحره ففضلت على حجبه أن تطرحه للناس يتناولونه فيمضي من أذن إلى أذن إن كان مسموعًا، ومن عين إلى عين إن كان مرئيًا؛ تاركًا في قلوب السامعين والرائين السحر ذاته.
ولما كان لي نفس تستطيب تشبيه الجمال بالضياء، أرى بها أن منه الوهج الذي يعمي والنور الذي يبين، فإن أقدر الجمال على النحت بقلبي هو ما كان وهجًا يكاد يعمي ولا يعمي، وهذا "الوهج الذي يكاد يعمي ولا يعمي" هو مسمى طويل لمجال من الجمال ضيق جدًا، حيث يقع الجمال الذي أقصد، طراز لا يختلف عليه هذا العالم الذي جُبِل على الاختلاف، وخلاصة فن أصيل عظيم، درجة من الإبداع يسعى كل فنان لبلوغها ولو مرة واحدة في تاريخه كله، جمال نادر التكرار والحدوث، جمال بسيط، له فلسفته ولكنه على ذلك لا يحتاج إلى عين خاصة أو ذوق معين ولا يخاطب فئة دون أخرى، فقد يجذب انتباه طفل في العاشرة من عمره وشيخ تجاوز السبعين، ويُبقي بصمته بعمق واحد في نفس حداد ووزير بالدولة .
|