تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : كافكا : رسائل إلى ميلينا


نبض
10-21-2016, 06:05 PM
كتابة الرسائل .. تعني أن تعري نفسكَ أمام الأشباح ، و هو شيء لطالما كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر. كتابة القُبل فيها لا يعني أنها ستصل إلى مكانها المقصود ، بينما على العكس ، يتخطفها الأشباح على طول الطريق."

(كافكا إلى ميلينا)


Franz Kafka : Letters to Milena
Translatedy by : Tani and James Stern
1953
Corgi Books
1982

نبض
10-21-2016, 06:06 PM
فرانز كافكا ، ولد في براغ عام 1883 في عائلة يهودية محافظة. حصل على دكتوراة في القانون ، لكنه مارس مهنته لفترة قصيرة من الزمن، فضل التأمل في الكون ، حتى و لو كلف ذلك حياته.

سنين العزلة و الخصوصية كسرت صحته ليتداعى بمرض السل الذي خطف حياته عام 1924 و هو في عمر الواحد و الأربعين.

كان يخشى الزواج على الرغم من أنه تعرف على عدد من الفتيات ، و أرتبط بفيليس صديقته بخطبة فسخها مرتين. كان يخشى تعارض الزواج مع ميوله الأدبية

"سأكون زوجًا غير صالح ، يخونك كل ليلة مع كتاباته"

خلال سنوات حياته ، نشر كافكا بعض من المؤلفات و القصص القصيرة مثل قصته الشهيرة المسخ. و أقتصرت معظم كتاباته على المذكرات.

النصيب الأكبر من روايته الأنجح مثل : القصر و المحاكمة ، نشرها صديقه اليهودي ماكس برود -و الذي عهد له بوصية حرق جميع أعماله- بعد وفاته ليغدو ملمحًا مهمًا في تاريخ الكتابة في القرن العشرين.





ميلينا المتزوجة ، ميلينا الجميلة ذات الأربع و العشرين و التي تفيض بكامل الأنوثة ، كانت المختلفة من بين جميع صديقاته. و رسائل كافكا مع ميلينا كانت مختلفة و لا تشبه رسائله مع أحد. كانت الأجمل ، لأن ميلينا كانت أكثرهن فهمًا له ، فكان يشعر بالإرتياح و الحرية معها.

هي الحب العاصف

"ميلينا ، أي اسم غني و كثيف ، غني ، ممتلئ ، مفعم لأي درجة يشق عليّ حمله"

ميلينا ، كفتاة مثقفة مهتمة بالأدب و الموسيقى و الفن. متحررة و شغوفة بالتجارب و المغامرات.

على الرغم من أنها متزوجة من يهودي كان يسيء معاملتها ، ألا أن كافكا لا يراها إمرأة. كان دائمًا يراها كفتاة.

"بالنسبة إليّ ، لست إمرأة بل فتاة شابة ، لم أعرف في حياتي فتاة أشد صبا منك"

كانت البداية بينهما بأن ترجمت ميلينا قصص كافكا إلى التشيكية. لتبدأ مراسلاتهما كتابيًا ، ثم إلتقائهما في فيينا عام 1920 لأربعة أيام ، كانت الأفضل في حياة كافكا بأسرها ، فقد أختفى فيها مرضه ، و أنقشع ضباب خوفه.

"اليوم الأول كان يوم الشك ، و الثاني يوم اليقين العظيم ، و الثالث الندم ، و الرابع الأفضل"

عندما رجع إلى براغ و هو ثملٌ بميلينا راح يمطرها بوابل من الرسائل ، كان ممتلئًا بها. و ميلينا لا تستطيع التخلي عن زوجها.

كانت خائفة و مترددة و لا تملك قرارًا يدفعها. كانت تصفه برجل لا يملك ملجاءً يذوي إليه غيرها ، و لا تنتبه إلى أنه أصبح ملجأها الوحيد أيضًا. على رغم كل خوفه كانت رغبته فوق كل شئ أن يلقي برأسه فوق ركبتها الأبدية كلها.

أنقطعت المراسلات بينهما ، و حرص على أن يتجنب لقاؤها و لو مصادفة. فقدان ميلينا كان يعني الموت. أوصى صديقه بأن يتحدث عنه أمامها كما لو أنه ميت.

في النهاية ، ألتقاها ليعطيها مذكراته من أجل أن تحتفظ بها ، و كانت أجزل هبة يمكن أن يهديها شخص منعزل ككافكا.

نبض
10-21-2016, 06:07 PM
ميران – انترمياس
بنسيون أوتبورغ


عزيزتي ميلينا ،

كتبت لك ملاحظة من براغ ، و بعدها من ميران. لم أحصل على جواب. في الحقيقة الملاحظات لا تحتاج إلى جوابٍ عاجل ، فإذا كان صمتكِ لا يعني سوى إشارة إلى محافظة نسبية - و هذه عادةً ما تعبر عن نفسها في شعورًا بالنفور من الكتابة- فأنا راض تمامًا.

لكنه من الممكن –و لهذا أنا أكتب هذه الرسالة- أن أكون قد أهنتكِ بطريقة ما في ملاحظاتي (يا لها من يدٍ خرقاء التي أملك ، تعاكس كل نواياي ، لا بد أنها كذلك) أو لربما في الحقيقة أسوأ من ذلك ، بأن تكون اللحظة التي تأخذين فيها أنفاسكِ من الذي كنتِ قد كتبته ، قد ولت مجددًا و مرة أخرى وقتًا سيء يجيئكِ.

للاحتمال الأول ، لا أملك شيء لقوله ، إذ أنه من المستبعد لي ، و كل شيء آخر هو أقرب. حول الاحتمال الآخر ، لن أنصح –و كيف لي أن أفعل- لكن ببساطة أسأل : لما لا تخرجين من فيينا لبعض الوقت؟ بعد كل شيء ، أنتِ غير عديمة المأوى مثل الآخرين.
أليست رحلة قصيرة إلى بوهيما قد تعطيك بعض النشاط ؟ و ما إذا كنتِ -لسبب لا أعرفه- لا ترغبين بالذهاب إلى بوهيما ، فلما لا تذهبين إلى مكانٍ آخر ، ربما تكون ميران. هل تعرفينها ؟

لذا أتوقع إحدى الأمرين ، إما أن تستمرين في صمتكِ و الذي يعني "لا تقلق أنا بخير". أو لربما بعض الأسطر.


ألطف تحياتي
كافكا

لقد حصل لي أنني لا أتمكن من تذكر تفاصيل وجهكِ الدقيقة. فقط كيف خرجتِ من بين طاولات المقهى ، شكلكِ الخارجي ، فستانكِ ، هذه الأشياء أملك تذكرها.

نبض
10-21-2016, 06:07 PM
العزيزة ميلينا ،

أنتِ تكدحين في الترجمة وسط أجواء فيينا الكئيبة، و هذا ـ إلى حد ما ـ محرج بالنسبة لي.

ربما تكونين تسلمتِ رسالة من وولف (1)، راسلني بشأن هذا منذ زمن. هناك قصة قصيرة بعنوان "القاتل"، يقال بأنها قد أُعلنت في قائمة فهرسية، لم أكن كاتبها ـ هناك سوء فهم ـ لكن بما أنه يفترض أنها الأفضل، قد أكون كذلك بعد كل شيء.

بالرجوع إلى رسالتك السابقة، و ما قبلها ، يبدو لي أن عدم الراحة و القلق قد رحلا عنكِ نهائيًا و بشكلٍ أفضل، قد ينطبق الأمر ذاته على زوجكِ أيضًا، فكم أتمنى ذلك لكما.

أتذكر في عصر يوم أحد منذ سنين بعيدة ، كنت أدبُّ و ببطء عبر فرانزينسكوي ، ملتصقًا بحيطان المنازل عندما تقاطعتُ في طريقي مع زوجكِ الذي أتى نحوي وهو يبدو في حالٍ غير جيدة ، نحن الاثنان خبراء في صداع الرأس، لكن كُلا منا على طريقته.

لا أذكر الآن ، ما إذا كنا بعدها قد مشينا جنبًا إلى جنب، أو تجاوزنا في عبورنا الآخر، لا يبدو الفرق بين الاحتمالين كبيرًا.

لكن هذا كله في الماضي، و يجب أن يبقى في عمق الماضي.
أليس من المريح أن تكون في وطنك ؟


ألطف التحايا
صديقكِ كافكا

نبض
10-21-2016, 06:09 PM
العزيزة ميلينا ،

الآن، المطر الذي أستمر في هطوله يومين و ليلة قد توقف، و رغم أن ذلك سيكون للوقت الحاضر فقط، لكنها مناسبة تستحق الاحتفال، و هذا ما أفعله بالكتابة إليكِ.

في واقع الأمر، و على الرغم من أن المطر يمكن احتماله لغريب هنا منذ فترة قصيرة – بالكاد يكون غريبا- لكنه منعشُ للقلب.

أنتِ أيضًا، إن كان انطباعي عنكِ صحيحًا ـ اجتماع قصير ، مَعْزُول، و نصف صامت لا يمكن أن يكون منهكًا ليطفو في ذاكرة أحد ـ قد استمتعت كونكِ غريبة في فيينا ، على الرغم من خفوت ذلك بسبب الظروف العامة ، لكن ألا تستمتعين بالغربة في حد ذاتها ؟ (و إن كانت تلك إشارة سيئة لا ينبغي حدوثها).

أعيش هنا بشكلٍ يولي إهتمامًا لذلك الجسد الذي بالكاد يستطيع النهوض، شرفة غرفتي تشرف في أسفلها على حديقة محاطة بشجيرات مزهرة و شديدة النمو (النباتات هنا في منتهى الغرابة ، ففي حين يُجمّد طقس براغ البركة فعليًا، تتفتح الأزهار ببطء أمام شرفتي)، و في نفس الوقت تقوم السحالي و الطيور بالتعرض إلى أشعة الشمس بجسدها كاملاً - أو بالأحرى إلى السماء الملبدة بالغيوم حتى أعماقها ، إذ شارف أسبوع على ذاك- و أزواجًا غير منسجمة مع بعضها البعض كذلك. كم أتمنى كثيرًا لو تكونين في ميران. مؤخرًا كتبتِ عن كونكِ لا تستطيعين التنفس ؛ في هذا صورة الكلمة و معناها متقاربين ، و في ميران يمكن لكليهما أن يكونا أخف وطئًا.


ألطف التحايا
صديقكِ كافكا