من أين جئتم أيها الذئاب ؟!

بقلم الوالد



اهتز الشعب الفلسطيني غضبا وحزنا لقتل الناشط السياسي والحقوقي المستقل نزار بنات بعد اعتقاله فجر الخميس ، أمس ، الذي نفذه 25 عنصرا من جهازي الأمن الوقائي والمخابرات العامة في السلطة الفلسطينية . وفي رواية عائلة بنات أنه ضرب فور القبض عليه بعصي وقضبان حديد ، وأن القوة رشته بغاز الفلفل . وكان غريبا أن يكون محافظ الخليل جبرين البكري أول من يعلن نبأ " الوفاة " الصاعق مبرئا ضمنا أجهزة السلطة من قتله . القانوني والصحيح أن تعلن أجهزة السلطة ما حدث له بنفسها ، لكنها ، على أسلوب المذنبين المألوف ، تسترت وراء محافظ الخليل . الاحتجاجات والإدانات الغاضبة لقتل بنات تتلاحق فلسطينيا وعالميا ، فالجريمة كبيرة وحشية ، وأي تشريح للجثة ، وهوما أعلن عن إجرائه في معهد الطب ببلدة أبي ديس ، سيثبت أن بنات قتل ضربا ولم يمت ميتة طبيعية . السلطة الفلسطينية كل أوراقها محروقة ، ومغضوب عليها من الشعب الفلسطيني المجمع على أن مسوغ وجودها الوحيد هو كونها جزءا من الأمن الإسرائيلي . وزلزل انتصار المقاومة في حرب غزة الأخيرة هذا الوجود ونفى شرعيته ، وبدا في الحرب أن السلطة في وادٍ والشعب الفلسطيني في وادٍ ، وأنها مع إسرائيل لا مع هذا الشعب . وتضاعفت هذه الزلزلة شدة حين أصرت السلطة متوافقة مع إسرائيل وأميركا على أن تكون إعادة إعمار ما دمرته الحرب من طريقها . وينفجر زلزال قتل بنات بعد فضيحة اللقاح الإسرائيلي الوشيك انتهاء الصلاحية الذي كانت السلطة تنوي تطعيم الفلسطينيين به ، ومبادلته مع إسرائيل بلقاح جديد ستتسلمه من الصحة العالمية في سبتمبر المقبل . زلزال قتل بنات في مستهله ، وستتوالى هزاته ، وسيكون بنات للسلطة ما كانه خاشقجي للنظام السعودي . والفرق واسع بين السلطة وبين النظام السعودي الذي استطاع بقدراته السياسية والمالية والاقتصادية صد تأثيرات خطورة قتله لخاشقجي على بقائه . السلطة لا تملك شيئا من هذه القدرات . إنها ضعيفة في كل شيء ، والمبقي الوحيد عليها هو حاجة إسرائيل لها أمنيا . وقتل بنات سيزيدها ضعفا أمام إسرائيل التي ستبتزها أكثر ، وتدفعها طيعة خانعة لفعل كل ما تريده منها ، ولن يكون ما تريده إلا ضد الشعب الفلسطيني . وسلطة تعمل ضد شعبها لا مفر من إزاحتها . وقد تؤدي مفاعيل الغضب والاحتجاج في الضفة ، وربما في غزة ، وفي أراضي ال48 ، إلى إزاحة هذه السلطة ، والعمل لحشد قوى الشعب الفلسطيني في المناطق الثلاث وفي المهجر لخلق قيادة فلسطينية جديدة موحدة تنظم قدراته وتقوده على طريق تحرير الوطن الفلسطيني الذي بات كثيرون في هذا الشعب وفي المنطقة وفي العالم واثقين من قربه واضعين في ميزان ثقتهم تصاعد قوة التفاعل بين جغرافيا الوجود البشري الفلسطيني داخليا وخارجيا ،وتدهور حال الكيان الإسرائيلي قيادة ومجتمعا ودولة الذي لا تخفيه عروض القوة العسكرية والسياسية والدبلوماسية التي تحرص القيادة الإسرائيلية على تقديمها وتكثيف الضجيج حولها ، فحرب غزة كشفت الكثير من أساسيات ضعف هذا الكيان ، والصواب أن نميز في الحكم عليه بين ما هو شحم وما هو ورم . ومن خصائص التاريخ أنه يتحرك نحو الأحسن لشعب ما عبر ما يسره مثل انتصار غزة في الحرب الأخيرة أو ما يحزنه ويغضبه مثل قتل بنات قتلة وحشية بربرية تدفعنا للتساؤل الذاهل : من أين جئتم أيها الذئاب ؟!
***
في تقرير مطول ترجمه موقع " عربي 21 " عن موقع " ميدل إيست آي " البريطاني ، وحمل عنوان " محسوبية في الضفة .. وظائف جاهزة لأقارب موظفي السلطة " ؛ أن 15 % من الوظائف المهمة التي شغلت في السلطة إبان عشر السنوات الأخيرة كانت من نصيب أبناء وأقارب موظفي السلطة ، وتركز كثير من هذه الوظائف في وزارتي الخارجية وسلكها الدبلوماسي ، ووزارة العدل ، وأن هاتين الوزارتين من أكثر وزارات السلطة فسادا . وهذا نقيض ما ينبغي أن تتميز به هاتان الوزارتان من النزاهة والشفافية واعتماد الأهلية في اختيار منسوبيهما . ولا غرابه وحالهما بهذا التدني في مستوى هؤلاء المنسوبين أن يكون أداء السلك الدبلوماسي الفلسطيني صفريا في خدمة قضية شعبه ووطنه . وفي الحرب الأخيرة على غزة صدم كل فلسطيني شاهد مقابلة سفير فلسطين كفاح عودة في أسبانيا التي ناظره فيها سفير إسرائيل ليشرح كل سفير وجهة نظر دولته في الحرب . كان السفير الفلسطيني هزيل المعرفة باللغة الأسبانية ، وكان السفير الإسرائيلي أسباني اللغة ، وما أسهل الحكم على أدائهما بعدئذ في مقابلة موجهة للمواطن الأسباني !