الزيارة الاولي للضفة والقدس

سامح أبو دية-من غزة للضفة والقدس.. الزيارة الاولى

3 محاولات يائسة خلال عام كامل لم تمنع استمرار المحاولات للحصول على تصريح دخول للشق الأقدس والأغلى من الوطن المحتل فلسطين "القدس والضفة الغربية".

في كل مرة يصل فيها جواب الرفض، كان مُعدل الاصرار للحصول على موافقة الاحتلال الاسرائيلي يتضاعف، وأخيراً أتت الموافقة وتسلمت التصريح.

السعادة لا تتسع قلب وعقل وجسد كل من يتمكن من تجاوز معبر بيت حانون "ايرز" الى الضفة، يحاول المُغادر تصديق حدوث معجزة، ثم تأخذه روحانياته سريعاً لركوب سيارة فلسطينية متجهة مباشرةً الى مدينة القدس الشريف لزيارة المسجد الأقصى المبارك، والشعور بذلك لا يوازيه السفر الى أي مكان في العالم وان كان الأجمل.

فوراً تأخذك قدماك مباشرة الى حرم المسجد الأقصى المبارك عبر باب العامود والبلدة القديمة ان كانت هي زيارتك الأولى أو الألف، تُصلي فيه ثم تسير الى أقسام المسجد المبارك، قبة الصخرة المُشرفة (ذات القبة الذهبية)، المسجد المرواني، والجامع القِبْلِي (ذو القبة الرصاصية السوداء)، ومعالم أخرى تقع ضمن حدود الأقصى، ما بين مساجد، ومبان، وقباب، وأسبلة مياه، ومصاطب، وأروقة، ومدارس، وأشجار، ومحاريب، ومنابر، ومآذن، وأبواب، وآبار، ومكتبات.

القدس هي المدينة القريبة البعيدة، قريبة بمقدار قربها لقلب الفلسطيني والمسلم، وبعيدة بمقدار العذابات والمعاناة التي يتكبدها الفلسطيني للوصول الى عاصمته وان قصرت المسافة بين مدن وطنه.

على بعد 15 كيلومتر تقع العاصمة الثقافية والادارية مدينة رام الله "المدينة الفلسطينية الذكية"، فور دخولها والتجول بأزقتها ومُشاهدة معالمها توحي لزائرها بالحداثة والأصالة معاً، مقر المقاطعة وقبر الرئيس الراحل ياسر عرفات، مسجد ومتحف ياسر عرفات، فندق قصر الحمراء وهو من أهم معالم المدينة التراثية، دوار المنارة الذي يتوسط المدينة هو من أهم معالمها، حيث يوزع الحركة إلى شوارعها الرئيسية، وتجسد تماثيل الأسود الخمسة الواقعة فيه تاريخ المدينة.

مدينة الخليل، الأكبر بين مدن الضفة الغربية مساحة وتعداداً، زيارتها تحتاج لأيام ولكن لضيق الوقت المسوح، يأخذك لزيارة المعلم الأهم فيها ألا وهو "الحرم الابراهيمي الشريف" الذي يحتوي على مقامات لأنبياء الله، دخولاً من البلدة القديمة وهي عبارة عن أزقة وبيوت وأسواق ودكاكين قديمة.

"من دخل الضفة الغربية ولم يتعرف على مدينة خليل الرحمن فكأنه لم يزر الضفة أبداً"، فهي العاصمة الاقتصادية والتجارية لفلسطين، تمتاز تلك المدينة القديمة بسكانها أصحاب النخوة والشهامة (مدينة الآباء)، الخليل تختلف عن أي مكان في فلسطين "اصالةً وثقافةً ولهجةً واقتصادً ووطنيةً"، متحف الخليل والتكية الإبراهيمية وبركة السلطان وحديقة الكرمل أجمل ما قد تتعرف عليه.

الخليل والخلايلة هم الأقرب الى الغزيين مسافة وعادات وتقاليد، ولأول مرة لمسنا ما تتعرض له المدينة من مضايقات وانتهاكات اسرائيلية لسكانها الفلسطينيين بعيداً عن الإعلام، حواجز اسرائيلية بالجملة قادرة على تقطيع المدينة الكبيرة الى أجزاء واغلاقها واذلال أهلها خلال دقائق قليلة، وهذا ما حدث خلال تواجدنا بها فقد قهرنا على المبيت بها نظرا لإغلاق المدينة بالكامل.

"نابلس" أو جبل النار أو دمشق الصُغرى كما تُعرف، هي أجمل مدن الضفة الغربية على الاطلاق وأكثرها تنظيماً معمارياً وقد لمسنا ذلك خلال زيارتها 3 مرات متتالية، يميزها جبالها المرتفعة الجميلة وبيوتها المصطفة تدريجياً من الأسفل للأعلى، وبلدتها القديمة الأكثر حيوية، فضلاً عن شهرتها الكبيرة في بعض الصناعات على مر الأزمان (الصابون النابلسي وحلوى الكنافة النابلسية والزعتر والجبن النابلسي الشهير).

رغم تحذيرنا من زيارة مدينة "أريحا" المدينة الأقدم والأخفض في العالم، الا انها تستحق الكثير من الجهد وتحمل طقسها الحار للغاية، للتعرف على معالم المدينة الأعرق عبر التاريخ ومشاهدة البحر الميت عبرها، زيارة معالمها مثل مسجد أريحا القديم وهو الأكبر فيها، و مقام النبي موسى وقصر هشام ووادي القلط، ستجعلك بكل تأكيد تشتاق لزيارتها مجدداً.

من غزة الى قلقيلية وبيت لحم وطولكرم كانت المسافة كبيرة جداً وقد نال منا التعب والارهاق ما نال خلال أيام الرحلة، الا أن دخول تلك المدن الفلسطينية العريقة وزيارتها والتجول في شوارعها وأزقتها سيصبح هاجساً لمن لم يزرها، فقد طغى عشق الزيارة على ألم الجسد فكانت الرحلة للمدن الثلاثة جميلة للغاية.

حلم قريب المسافة صعب المنال تحقق أخيراً بعد شوق طال انتظاره على مدار 16 عاماً، قادته مشاعر الحنين وحققته حالة الاصرار الشديد، ولكن يبقى سؤال يلوح في الذهن "متى ستكون الزيارة الثانية، بعد 31 عاماً أخرى أم هي الأولى والأخيرة؟".