إنَّ بعض الظن خيبة و خذلان !

إنَّ بعض الظن خيبة و خذلان !


كبيرةٌ هي الثقةُ التي نمنحها دون إرادةٍ منَّا لأشخاصٍ نراهم الحياة ، لا نحاسب شعورنا اتجاههم !
فقط نعاملهم بكل الود ، لا نستطيعُ ترجمةَ إحساسنا الذي يراودنا نحوهم و كأننا أدمننا قربهم حد السماء ،
يخفقُ الفؤادَ لرؤيتهم , بل يكاد يقفز من مكانه .. كم هو متمرد و ثائر ذاك القلب ، أظنُّ لله حكمة في خلق
هذا القلب محاطاً بقفصٍ صدريّ , ثم تتسارعُ النبضات نبضٌ تلو الأخر ، نسعى لأن نرى البسمة تكسو ملامحهم
و نظن بهم الخير لا بل كل الخير .. أتكون هذه فلسفة الحب العميقة التي ما فتأ احد الا و خاض فيها ؟!
فحتى الجاهليون قالوا فيها شعراً جزلاً جميلاً و لأجلها مات قيس بن الملوح ! لم نتخيل يوما أن يقابلوا هذا الحب
و الود بباقات من اللامبالاة و التجاهل و الاستخفاف لم نتخيل يوما أنهم سيكونون سببا في أن تمطر عيوننا بدمعٍ حارق ،
حتى تأتي الحياة لتأكد لنا حقائقَ غابت عن عقولنا أو لربما تغافلنا عنها , تأتي الحياة و في جعبتها مواقف عديدة لتكشف لنا
درساً جديدا ، ثمَّةُ مواقف تجعلنا نلعن حبنا لهم ألف مرة , الشعور بالندم سم قاتل " ليتني أدركت ،ليتني لم أفغل ، ليتني و ليتني .. الخ "
و في قاموس الحياة كلمة " ليت " لا تقدم و لا تأخر فاحتفظ بها لنفسك ، قليلون هم من يقدرون الحب .. !

***
فالمالُ طغى على كل حب حتى القرآن يقرُّ بذلك " و تحبون المال حباً جماً "
فذاكَ شابٌ أحبَّ فتاة و جعلها تحبه و لكن ثمة فتاة أخرى أباها وزير و يملك من المال و الأراضي الكثير الكثير
فيمضي قائلا سحقاً حبيبتي و بكل بِشْرٍ و حفاوة أهلاً يا ابنة الوزير !

و ذاكَ آخر يحيا بطيش و يهوى اللعب بقلوب بنات حواء يعلق هذه و تلك
و عندما يحين موعد الزواج لامبالياً يقول : " أمي ابحثي لي عن عروس تكون ذات جمال و أخلاق ! "

و تلكَ أمٌ خارت قواها في سبيل رعاية ابنها حتى يُصبح شاباً يُعتمدُ عليه و في أول شهرٍ من زواجه توضأ
بدموعِ أمه ليطيل الركوع في محراب زوجته ثم نوى تيمماً طويلاً فرمى بأمٍ أنجبتهُ في دار العجزة و المسنيين !

و تلكَ طالبةٌ قد أحبَّت معلمتها بجنون مفرط ، لا تشتري شيئا الا الورد ، فقط الورد و كل الورد لأجل معلمتها الحنون ،
و في يومٍ غابت شمسه تصعقها بجملة إعدامٍ خانقة " يكفي أن تحضري لي الورد كل يوم فأنا لن أضع لك العلامات "
و كأن الحب له ثمن ، تمضي الطالبة و حزن العالم في عينيها !

و تلكَ زوجةٌ جسَّدت في معاني التضحية و الوفاء لزوجها ما لا يقال فكانت خير نعيم الدنيا و ما أن
ورث زوجها مالاً عن أبيه أقدم نحو الزواج بأخرى ليس لشيء ينقصه و لكن بحجَّة أنه قد ملَّ و أراد التجديد !

و ذاكَ وطنٌ أرضه مرويَّة بدماءِ أطهار ، لطالما ذهب الكثيرون إلى طريق اللاعودة في سبيل تحريره و تخليصه من دنس اليهود
و الاحتلال فَضَحُّوا و بذلوا حتى لاقوا ربهم بدماءٍ تسيل و عاشوا حياة الشهداء , ثم يأتي شخصٌ محسوبٌ على البشريةِ
بأنَّه إنسان ’ ظاهره آدمي مثلنا و داخله يحوي أدنسَ ما يحويه الشيطان فينصب نفسه جاسوساً و عيناً للاحتلال
و يخون وطناً ترعرع في ربوعه و تنفس من هوائه و استظل بظله و أكل من شجره و ثماره !


***
و مواقفٌ كثيرة لو خضت في ذكرها لن أنتهي ، هكذا نحن نمنح الحب و الوفاء و الظن الحسنْ
و لا نلقى مقابل ذلك الا صفعاتُ سوءٍ و قسوةٍ تجرحُ قلبَ الإنسان , و قد تغافلوا قول رسولنا العدنان
" كما تدين تدان " و إني لصادقة جدا حين قلت في العنوان ..
" إن بعض الظن خيبة و خذلان ! "