سل رمال مكة عن آلامِ خُطى هاجرَ و هي تتماسك كي لا تلحق بإبراهيم !
يقولون يا هاجر .. إنَّ إحساسَ المرأة بالحزن و الألم يَعدِلُ ثمانيةَ أضعاف إحساس الرجل .!
فكيفَ صَمتَ الوجعُ فيكِ و إبراهيمُ يرحلُ عنكِ و عن الرّضيع !؟
لا شيء يُخيف هاجرَ في هذه الصّحراء مثلَ مَغيبِ الشّمس في هذا المكان ..
هَرعَت إليه .. يا إبراهيمُ كيف تجمعُ عَلينا غِيابان .. غيابكَ أنت و غياب الشّمس .؟
هل نَذرتَنا للفَناء ؟! صدّقني لا شيء يوحي بغيرِ ذلك ..
آاللهُ َأمرَكَ بذلك يا إبراهيم .. فأجابَ نعم
! كان اللهُ في عَليائِه يَشهدُ تِلكَ اللّحظة ..
لحظة اختيارٍ بين خطوتَين .. نَحو ابراهيم أو نحوَ الله ..
لحظة سُجّلت لِهاجرَ في تاريخ الكون ، و بها اعتَلَت المرأةُ مكان الشّمس ..
تسامَت على ضَعفِها حتى كأنَّها أُسطورةُ من خيال التاريخ !
كانت الدُّروبُ الصّامتةَ تَسمع وَقعَ أقدام ابراهيم مثقلة بالرحيل { ربّي إنّي أسكنتُ من ذُريتي بوادٍ غيرِ ذي زَرع } ..
مشهدٌ تئنُّ لهُ السّماواتُ و لا تئنُّ له جارية في مُقتبل العُمر !
كان الرّعب في إنتظار العَتمَة الآتية و في بُكاءِ طفلٍ يُحرّكُ سُكونَ الصّحراء فتُلقي بأثقالِها في وجهِ الجارية ..
تنحني هاجرُ لتبدو أمامها الحقيقة عاريةً لا شيء الا صُراخ الرّضيع ،،
تتشبّث باليقينِ ( أنَّ اللهَ لن يُضيّعَنا ) ! تَشُدّ اليَدَ الغارقة في عَرَقِ الخوفِ على حبلِ الثّقةِ بالله ؛
الوِحدة و الوَحشة .. و موتٌ يفتَرِسُ الطِّفلَ .. و رَملٌ ينتَثِرُ في عَينَيها كأنَّهُ اللَّهَيب .. و لا إبراهيمُ يُؤنِس الطَّريق !
هل بَكَت ،، هل كَتمَت صرخَتها .. هل شَكَت ،، لا .. اذ عَلَّمَها إبراهيمُ أنَّ النّورَ لا يَعبُر الا بعد اكتمالِ اللَّيل !
كانت زمزم تنتظرُ ضَربَةَ قَدَم الصَّغير .. و كانَ لا بُدَّ من اكتمالِ مَشهَد التَّضحية و تقديمِ كلِّ القَرَابين !
تسعى الحَجيجُ اليوم على الخُطى الجَليلة .. على خُطى جاريةٍ كَتَبَت من خوفِها انتصار إرادةِ اللهِ عَبرَ امرَأة !
" هاجَرُ " لكِ من اسمِك أوفر النَّصيب في هِجرَةٍ تَمَّت للهِ وَحدَهُ ..
أيا سَيِّدَةَ المَعاني الكبيرة ..