تمسك نور كوب الخمر، إنهُ يشبه يديها بطريقة تجعل المرء يكاد لا يفرق بينهما، بتاتاً ، نور .. صديقة الأيام و أكواب الخمر اللطيفة، بلطافة حديثها الناعم معي، لا أنكر أني أحب الخمر، أكثر من حبي، لنور و لي ، لأنه بطريقة ما يجعلني أشعر لوهلة أن اليوم الذي يشبه العام يمر كما لو انه لحظة، أحب البحر أيضاً، البحر، الشيء الوحيد الذي يفوق الخمر في قلبي، بعدما شعرتُ أني أميل لشرب الخمر أكثر من النظر لسحابة المطر كدت أقتنع أن لا شيء في الدنيا سيفوق هذا الحب ، البحر يفتح أمواجه في صدري، يقول لي كل مرة، لا مهرب من الخمر غيري يا وسيم ،
مدت لي نور الكأس، حاولت أن ترمي الخمر في وجهي ، تحديداً على لحيتي الشقراء لكني تنبهت لخباثتها في اللحظة الأخيرة و أمسكتُ بيداها، ألقيتُ بالخمر في جسدي، أغمضتُ عيناي، تُرى هل يمكن .. أن يحبني أحدهم بنفس المقدار الذي أحببتُ كوؤس الخمر به؟
**
فتحتُ عيناي مرة أخرى، لكني لم أكن هذه المرة فِي غرفة نور، كُنت في غرفة أوسع، أنظف، لم يوضع فيها أي كأس خمر واحد، عبدالله يقف بعيداً عني متر ونصف تحديداً، قلتُ بصوت لا يخلو من العتب
- ليش جبتني هنا يا عبدالله؟
= لم أحضرك أنا، لقد أحضرك الخمر إلى هنا
- لِم؟
= لقد شربت بالأمس كمية كبيرة من الكونياك أتلفت جسدك و سقطت أرضاً لا تجيب ..
- وين نور؟
= لقد أخبرتها أنك لم تعد تريد أن تراها مرة أخرى ،
- هل قلت هذا أنا ؟
= لا ، أنا أقول هذا، لأني صحبتك النقية و ليست نور ، كل الأمور ستكون بخير اهدأ فقط ..
عبد الله يتحدث بثقة لم أعهدها في أي رجل قبل ذاك حتى أنا، الذي كان يُضرب بي المثل على الشهامة ، أقف عاجز في كل مرة أدخل فيها بحوار معه،هل تصدق نور أني لا أريد أن أراها؟رغم كل شيء، هذا أكثر ما يشغلني الآن ..
" أن لا خمر في الغرفة و لا نور "
**
تَل الزعتّر لبنان - أيلول 2019 *
- بتعرفي يا ياسمين ، بحسّك الزعتر الوحيد فِي هذا التلّ
= وأنت بتحب الزعتر؟
- أحب جنونه، حينما، يغرق في الزيت
= كيفما دونك أشبع جياع التل؟
ياسمين، الشخص الأنقى على الإطلاق، لا، تحديداً أشعر أنها تنتمي لجبريل عليه السلام، بطريقة ما، لا يمكن أن تكون هناك فتاة جيدة بهذا القدر، أعرف في قرارة روحي أن الفتيات الطيبات يذهبن إلى الجنة لكن الفتيات السيئات يذهبن إلى كل الأماكن، لذا، أحزن لبعض اللحظات على أن الوجه الملائكي هذا مصيره، لا شيء سوى الجنة،لقد سافر بي عبدالله من برلين إلى لبنان لإتمام رحلة العلاج ، لا أدري لِم اختار تل الزعتر تحديداً لقضاء أيامي به، ياسمين كانت لا تعرف ، أنها بطريقة ما، الشيء الوحيد الذي يُحلّي مرارة الانقطاع، أذكر أيامي في حضرة نور وأضحك، أبمثل هذا السخف كُنتُ أشعر؟ لو أني أدري يا ياسمين أن نصيبي في الهوى عيناكِ لما كنتُ يوماً بذلتُ حبلاً من حبالي الصوتية لأجل نور ..
**
التقيتُ بياسمين بعدما شُفيت تماماً، وكادت نور تنسى، ملامحي الأولى، التي كانت تتوسد وجهي قبل أن يقرر عبدالله على انتهاء المهزلة التي تجري حولنا، لا أدري إن كان شفائي شك يتلوى بين الشوارع أما أنني اليقين الوحيد الذي، يلتقي بياسمين في أيامه القادمة، تغير كل شيء، إلا لحيتي، ظللتُ أعلّق صوري عليها، أكتب أغاني الطرب فيها، وأخبأ كل وسادات النوم لياسمين، اشتقتُ إلى فلسطين، التي بطريقة ما، لا تشبه شيء في كونها إلا ياسمين، تمنيتُ لو أني ضممتها في صدري المغترب، قلتُ تحيا ياسمين حبيبتي حرة، المجد و الخلود لعينيها الأبرار، لكني ما قلت إلا أنني فلسطيني معتّر ..
- من وين إنتّ؟
= من غزة، تحديد تل الهوى بيحكو عنه
- شو يعني تل الهوى؟
= مكان بيشبه عيونك
- * انفجرت ضاحكة * يا سلام
= يا ياسمين
- خدني معاك على تل الهوى
= ليه؟
- أريد أن أرى ...
= ماذا؟
- رائحتك، أريد الخوض في تجربة رؤية الرائحة
= * مسكتُ يديها * تل الهوى مكان زحمة و عجقة كتير.. عامل متل قلبي
- قلبك معجوق؟! * عبّست عينيها وهي تسأل*
= أقصد، معجوق فيكِ، أنتِ كثيرة، لحالك حارة بحالها..
- طيب هل اشتقت لها؟
= لا أدري، على أي حال رؤيتك تُخمد الشوق
**
عاد عبدالله إلى برلين، لكنه أودع لي ياسمين قبل رحيله، شعر بطريقة ما، أنها معي، وأن كل الفصول ستبقى ربيع إذا ما كان الياسمين بحوزتي طيلة العام، قال لي و نحن نقف معاً عند بوابة المطار " خلي بالك من حالك، اوعى تغريك الدنيا بكأس كونياك إضافي"
هززتُ رأسي أوافقه الرأي، لثقتي المُنحلة بوجود ياسمين، كيف لِي بالكونياك أنشغل، إن كان خمر قلبي يجلس بجانبي، يقول قصص تل الزعتر وهو خاوي الروح معبأ فقط بشهقات ضحكاته، لا شيء يمكنه إرجاعي للكونياك أو نور، ياسمين بطريقة ما، كان تستحوذ على مكانة البحر بين كل هذه الأشياء، أحبتني ياسمين بشكل لم يحبه أحد قبل ذلك لشخص آخر، كنا معاً ، انشغلنا بتجريب كلمة " يا عمري " في اليوم ألف مرة عن سرد قصص التعب التي مررنا بها، فما ياسمين عرفت أني كنت أسبح في الليل ببحر الكونياك، و لا أنا عرفت، أن ياسمين تمتلك نفس الموهبة..!
**
أكتوبر 2019 *
حملتُ معي في سلة ملايين من مشابك الشعر، إنه هوس ياسمين اللطيف مثلها، تحبهم لحد الرعونة، وكنت أحب ان ألعب طيلة الوقت في شعرها، أعقد جدائله البنية بين أصابعي، أشبكه وتضحك ، تقول أني لا أمرّج شعرها فقط، " وقلبي كمان" تقول وتضحك، في كل مرة تضحك فيها أحس، بأني أتمكن من رؤية الصوت ، أعرف أن أيامي في لبنان تزيد، بشكل ما، كل الأماكن التي لا ياسمين بها، لا يمكن اعتبارها وطن، رننتُ الجرس، لطفاً مني، لكني ما فعلت هذا الأمر العديد من الزيارات، لأنها تحب، المفاجأت بقدر حبها لهذا التل و لي ، لم تجيب، المرة الأولى التي لا تجيب ياسمين الحُلوة على رنيني ، هل تدور بفستانها من الفرح وراء الباب؟ هل تحضر لي عصير الرمّان؟ هل تبكي؟ هل أنا خائف لإنها لا تفتح لي؟ تفتح الباب ياسمين كما يفتح المطر الأزهر كلاهما، يزهران الطبيعة وقلبي ..
**
- دكتور شو مالها؟
= لقد تناولت جرعات غير معقولة من براندي ولم يتحمّل جسدها النحيل هذا، أحس أن مناعتها ضعيفة جداً
- براندي؟!
= إنها نوعية من الخمور تصل فيها نسبة الكحول لأعلى من ال70% ويبدو أنها اعتادت على ذلك من مدة طويلة ..طويلة كثيراً،
كانت نائمة، هل كانت تحمل ياسمين هذا المقدار من الجمال لأنها مدمنة فقط؟ قالت لي نور أن الفتيات اللواتي يحببن الكحول يعرفهن المرء من الضوء في عينيها، ينظر مرة واحدة وتختفي عتمة روحه للأبد، كيفما ما شعرت بهذا في كل المرات التي حدّقتُ فيها بوجه ياسمين ؟ هل هذا يعود لأني، انشغلت بجوعي للضوء أكثر .. هل أنا حزين لأنها تُفضل البراندي عني في حين أنا لم أفعل؟ هوّل المشهد يشبه المشهد الذي حملتُ فيه حقيبتي من تل الهوى، تحديداً جزئية خوف أمي ، اليوم أنا لا رحم في جسدي لكني أخاف خوف المرضعات على ياسمين، لا أريد رؤيتها وهي مُلقاة على سرير أبيض، كيف تحمّل عبدالله رؤيتي في نفس المكان؟
تلوثت الفكرة الوحيدة في حياتي التي ظننتُ أني خبأتها عن رفوف الكحول دائماً، هل أحببتها بشكل غير كافٍ للإقلاع عنها ، كيف استطاعت إيجاد الونس بين زجاجات الحكول، هل أغار من البراندي الآن ؟ أريد النوم، البكاء ، لا أريد اشتمام رائحة الزعتر وهو يذبل بعدما نمت عمري في خضاره ..
**
غزة - تل الهوا فبراير 2020 *
وعدتُ ياسمين أني سأعود، حينما تَشفى من حب صيغة مذكر غيري، إن بقيت المغرورة متعلقة بِنوع كُحول معين فَذلك يعني أن قلبها لا يتّسع لكلانا، أودعتها في مصّحة بعيدة عَني بقدر كافٍ للكذب، بكت كثيراً لأني أعود إلى فلسطين دونها، لستُ أدرى سبب بكاؤها، هل يحس المرء حينما يقرر حبيبه أن يغيب عنه للأبد رغم كل وعوده بإرفاق رسائل في بريده اليومي؟ حَلفتني ألف مرة أن أعود، كُنت أتردد ثُم أهز رأسي أني سأفعل، همّت لعناقي، كُنت أتمنى لو أنها نور، لو أن باستطاعتي أن أوافق على شروط عبدالله حينما نهى أني لا أريد رؤية نور مرة أخرى، لكني تمنيتُ لو أني قلت لياسمين، بعد عناقنا هذا، ظلّ في جسدها قلبين، وعين واحدة، اعطيتها قلبي لأني أعلم كم يحتاج الإقلاع عن الإمادن كم من الحب، أعطتني عينها لأنها تعلم أن السفر دونها تُشيده المصابيح المُتّلفة، أعلم في قرارة روحي أن وعدي بالعودة لا يشمل وعدها بالشفاء، أعلم أنها تفوقني في مسألة الصدق هذه، وأن السبب الوحيد الذي دفعها للكذب، هي سوائل البراندي، والتي كانت سبباً كافياً، لعودتي هنا، لا الناس كما الناس و لا الأماكن كما الاماكن، كل شيء غريب، لأن ياسمين مدمنة وبعيدة..
**
قصة رائعه وسردك للأحداث جميل
وخاصة تفاصيل الأحداث والتواريخ والأماكن
وحيرة وسيم ما بين إدمانه للخمر وحبه لنور ثم حبه لياسمين ف عندما انتقل للبنان مع عبدالله ثم اكتشافه لادمان ياسمين للبراندي ثم عودته لفلسطين ف تل الزعتر دون ياسمين وحنينه لنور دمج رهيب ف المشاعر ثم الخاتمه
مع صورة العصفور والانتظار انتى مشروع كاتبه تسنيم حبيت ما قدمتي لنا مبدعه ولاجدال