|
قصص بداية الكون في الروايات الدينية المختلفة
تتشارك اليهودية والمسيحية والإسلام في رواية واحدة للخلق .
ففي سِفر التكوين مثلًا ، يقول الله « ليكن نور » ، ثم يخلق الشمس والقمر والأرض والسماء وجميع الكائنات الحية في ستة أيام ، ويأمر الجميع أن « أثمروا واكثروا واملؤوا الأرض » .
في رواية أخرى ، نرى كيف خلق الله النبي آدم ، أول مخلوق بشري ، من غبار الأرض ، ثم خلق رفيقة أنثى من ضلعه ليأنس بها ، وأسماها حواء ، الاسم الذي يعني « أم الأحياء جميعًا ». عاش آدم وحواء سعيدين في جنة عدن ، إلى أن وسوست لهما حية كانت تعيش في شجرة الفاكهة المحرمة ذات يوم بتناول التفاح .
وبما أن الله حرم عليهما لمس هذه الفاكهة ، عوقب بنو آدم بأن أصبحوا واعين لفكرة الخير والشر في هذا العالم ، وأُمروا بالسعي في الأرض من هنا .
الديانات الإغريقية :
وضع الشعراء اليونانيون الأوائل روايات مختلفة لبداية الخلق ، أشهرها قصيدة « ثيوغوني » لـ« هيسيود » .
في القصيدة، يقول هيسيود إن أول الآلهة خُلق من الفوضى ، بما في ذلك غايا ( الأم الأرض ) ، وخلقت غايا أورانوس ، أي السماء ، لتغطي نفسها ، ثم خلقا معًا مجموعة غريبة من الآلهة والوحوش ،
منها « الهيكتانوركايرز » ( وحوش ذات 50 رأسًا ومئة يد ) ، ومخلوقات « السايكلوب » ( ذوو الأعين المستديرة ) ، الذين صنعوا لزيوس صواعقه لاحقًا ، ثم جاءت الآلهة المعروفة باسم الجبابرة ،
وهم ستة أبناء وست بنات .
كان أورانوس يحتقر أطفاله الوحشيين فسجنهم في « تارتاروس » ببطن الأرض ، فغضبت غايا وخلقت منجلًا هائلًا وأعطته لابنها الأصغر كرونوس ولقنته بعض التعليمات .
وعندما حاول أورانوس مضاجعة غايا بعدها ، أسرع كرونوس بمهاجمة والده وقطع خصيتيه ، ووُلد مزيد من الوحوش من الدماء التي سالت من أورانوس ، كان بينهم العمالقة والحاقدات .
ومن زَبَد البحر الذي انبثق من الخصيتين المقدستين لأورانوس ، كانت الإلهة أفروديت ، وبعد ذلك أصبح كرونوس أبًا للجيل القادم من الآلهة : زيوس وآلهة الأوليمب .
الديانة المصرية القديمة :
كان للمصريين القدماء العديد من أساطير الخلق التي تبدأ جميعها بالمياه الأزلية للإله « نون » ، ثم جاء « أتوم » أول الآلهة ، الذي يقال إنه خلق نفسه بإرادته وقوة أفكاره .
ومن مياه نون انبثق جبل ليقف عليه أتوم ، ومن هنا خلق أتوم « شو » إله الهواء ، و « تنفوت» ربة الندى ، ثم خلق شو وتفنوت « جب » إله الأرض ، و« نوت » إلهة السماء .
وبينما كان نظام الكون يكتمل بمرور الوقت ، تاه شو وتفنوت في الظلام ، لذا أرسل أتوم عينه الإلهية لتبحث عنهما ، وعندما وجدهما ذرف دموع الفرح ، فنزلت دموعه على الأرض لتخلق البشر .
الديانة الهندوسية :
تضم النظرية الهندوسية لبدء الخلق أساطير عدة ،
فيحكي أول نصوص « الريغ فيدا » عن وجود كائن ضخم يسمى « بوروشا » ، له ألف رأس وعين وقدم .
كان بوروشا يكتنف الأرض ، ويمتد خارجها بما يعادل مسافة عشرة أصابع . وعندما ضحت الآلهة ببوروشا ، أنتج جسده زبدة نقية انبثقت منها الطيور والحيوانات .
تحول بعض أجزاء جسم بوروشا إلى عناصر العالم ، وبعضها الآخر إلى الآلهة « أغني » و « فايو » و« إندرا » . خُلقت الطبقات الأربعة للمجتمع الهندوسي من جسده : الكهنة ، والمحاربون ، والجمهور العام ، والخدم .
لاحقًا ، اكتسب الثالوث المكون من براهما ( الخالق ) ، وفيشنو ( الحافظ )، وشيفا ( المدمرة ) مكانة بارزة . يولد براهما من زهرة لوتس نبتت من سُرَّة فيشنو في أثناء نومه ، ويخلق الكون كي يستمر 4.32 مليار سنة ، المدة التي تعادل يومًا واحدًا من أيام براهما ، ثم يدمر شيفا الكون وتُعاد الدورة من جديد .
ديانة بلاد الرافدين ( ما بين النهرين ) :
تروي ملحمة « الإينوما إليش » قصة الخلق البابلية ، التي تبدأ بامتزاج « أبسو » ، الذي يمثل المياه العذبة ، بـ« تيامات » ( تعامة ) ، التي وتمثل المحيطات ، ليخلقا آلهة كبيرة وشديدة الصخب ، منهم « أيا » وإخوته ، فينزعج أبسو ويهمُّ بقتلهم ، لكن تيامات ترفض وتحذره من نواياه ، فيقتل أيا أباه ويصبح بعد ذلك كبير الآلهة .
يتزوج أيا من « دامكينا » وينجبا « مردوخ » ، الذي يوهَب الريح كي يلعب بها ، فيستعملها لصنع عواصف ترابية وزوابع ، ما يعكر صفو تيامات والآلهة التي تسكن جسدها ويمنعها من النوم ، لذا تقنع هذه الآلهة تيامات بالانتقام لزوجها أبسو ، فيما يقنع مردوخ آلهة أخرى بالانضام إليه في معركته ضد تيامات ، فيتغلب عليها ويقتلها ، ثم يشطر جسدها إلى قسمين ، يصنع السماء من أحدهما والأرض من الآخر ، ويخلق الإنسان من دماء « كنغو » ، الزوج الثاني لتيامات .
الديانة الزرادشتية :
في البداية ، حاربت قوى الخير والحقيقة قوى الشر والأكاذيب حتى أنهكتها ، ثم خلقت قوى الخير العالم من بيضة كونية ، لكن قوى الشر استيقظت وحاولت تدمير الخلق ، ونجحت في ذلك إلى حد كبير ، حتى هربت البذرة التي نشأ منها الإنسان وأصبحت أكثر نقاءً ، ثم عادت إلى الأرض في هيئة نبتة لها سيقان تنمو من جانبيها ، خالقةً أول رجل وامرأة ، وفي الوقت نفسه ، حُبست قوى الشر داخل كبسولة الخلق .
الديانات الصينية :
من بين قصص الخلق المختلفة التي انتشرت في الصين ، كان أكثرها لفتًا للنظر قصة « بان كو » ، الذي خُلق من بيضة كونية ، شكلت نصف قشرتها العلوية السماء من فوقه ونصفها السفلي الأرض ، وكان طوله يزداد كل يوم لمدة 18 ألف سنة ، فإذا به يدفع القشرتين تدريجيًّا بعيدًا عن بعضهما حتى وصل كلاهما إلى مكانه .
لكن بان كو ، بعد أن بذل كل هذا الجهد ، انهار إلى أجزاء صغيرة ، لتصبح أطرافه جبالًا ، ودمه أنهارًا ، وأنفاسه رياحًا ، وصوته رعدًا ، وشكلت عيناه الشمس والقمر ، فيما خُلق البشر من الطفيليات على جسده .
الديانة الإسكندنافية :
في البدء كان العدم ، ثم بدأ هذا الفراغ في الامتلاء بالماء تدريجيًّا ، الذي يتجمد بدوره ثم يذوب جزئيًّا .
ومن قطرات الماء المنصهر انبثق عملاق في هيئة إنسان يُدعى « يمير » ، ومن إبطه وُلد عملاقان مثله ، رجل وامرأة قادران على التكاثر بطرق أكثر تقليدية .
في أثناء ذلك ، تلعق إحدى البقرات الجليد المنصهر وتكشف عن عملاق آخر انحدر منه الإله « أودين » ، ثم يقتل أودين وإخوته يمير العجوز ، ومن لحم جسده يخلقون الأرض ، ومن جمجمته السماوات ،
ومن دمه البحر ، ومن عظامه الجبال ، ومن شعره الأشجار .
يبني أودين مكانًا لنفسه وللآلهة الأخرى ليسكنوا فيه ، ويصله بالأرض بجسر من قوس قزح ، ويرتب الأمور بصورة تسمح لليرقات ( المتمثلين في هيئة أقزام ) بالبقاء في جثة يمير تحت سطح الأرض .
أما فوق الأرض ، فينفث أودين وزملاؤه الحياة في جذعي شجرة ، ويخلقون منها « آسك » و« إمبلا » ، أول زوجين من البشر .
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|