4 -لتمحيص النفوس
ومعرفة الصالح من الطالح، والمجاهد ممن سواه
وهو مقصد من مقاصد البلاء، كما قال تعالى:
) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ
. أي حتى نرى ويظهر مَن منكم المجاهد الصابر المحتسب الذي يأتمر بما أمرنا وينتهي عما نهينا ممن سواه؛
إذ زعم الإيمان الكل يتقنه المؤمن والمنافق، الصالح والطالح سواء،
ولكن الذي يفرق بينهما ويميز أحدهما عن الآخر، ويُظهر حقيقة كل منهما على حقيقته كما هي هو البلاء .. والصبر على البلاء.
قال تعالى:
) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (؟!
سؤال استنكاري
فهذا ما كان ولن يكون
فمن زعم الإيمان وأنه من أتباع الأنبياء والرسل، وأنه يسير على طريقهم ومنهاجهم لا بد وأن يُفتن ويُبتلى ليترجم الأقوال إلى أفعال
وليَظهر صدق زعمه من كذبه
) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (
أي ليُظهر الله ويرى بالبلاء مَن الصادق في دعواه الإيمان ومَن الكاذب!
وقال تعالى:
) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ
.
قال ابن كثير في التفسير:
أي أحسبتم أن تدخلوا الجنة ولم تُبتلوا بالقتال والشدائد .. أي لا يحصل لكم دخول الجنة حتى تُبتلوا، ويرى اللهُ منكم المجاهدين في سبيله، والصابرين على مقارعة الأعداء
كثير هؤلاء الذين يزعمون حب الجهاد والمجاهدين، وما إن يبتليهم الله بمواجهة العدو إلا وتراهم يولون الدبر،
فتكذب مواقفهم وأفعالهم أقوالهم وما كانوا يزعمون،
كما قال تعالى عن الملأ من بني إسرائيل:
) أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ
وقال تعالى:
) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً (
رغم ما قطعوه على أنفسهم من عهد ـ سيُسألون عنه ـ أنهم سيجاهدون وسيثبتون عند اللقاء، إلا أن أفعالهم ومواقفهم ـ لما اختبروا وابتلوا بالمواجهة ـ جاءت على خلاف ما قطعوه على أنفسهم،
وكانوا قد عاهدوا الله عليه!
وقال تعالى عن هذا الصنف من الناس:
) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (
قلت:
وتأتي أهمية هذا التمحيص عند عملية فرز الرجال كلٌّ إلى ما يناسبه من عمل وموقع ومركز
وعند فرز قيادات العمل الإسلامي واختيارها؛ إذ لا بد للقيادي أن يكون قد مر بمرحلة بلاء واختبار وتمحيص تُظهر صدق إيمانه، وصدق ولائه لهذا الدين
ودرجة كفاءته لموقعه القيادي الذي تقلده!
إنها لمصيبة كثير من الحركات والجماعات الإسلامية المعاصرة عندما يتسلق سلم القيادة والزعامة فيها أناس مُنعمون مُرفَّهون مترفون لا يعرفون للبلاء والشدة في الله طعماً ولا معناً
ولم يسبق لهم أن عاشوه واقعاً في حياتهم .. فتأتي النتائج بكوارث قاتلة على الجماعة، وعلى العمل الإسلامي برمته!
5- ومنة-ما يكون فتنة
أي من غايات ومقاصد البلاء ما يكون فتنة لصاحبه؛
أيصبر ويثبت على الحق أم يرتد عن دينه، وينزلق في أوحال الباطل، كما قال تعالى:
) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ (
كأن يتعرض للبلاء بالسجن عند الطواغيت الظالمين أو يصيبه منهم نوع تعذيب أو أذى، أو ملاحقة ومطاردة
أو حرمان من عطاء أو وظيفة أو عمل، انقلب على عقبيه وارتد عن دينه ليتفادى أذى الظالمين له و
) جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ (
أي هذا العذاب أو الأذى الذي يناله من الطواغيت الظالمين يجعله كعذاب الله تعالى الشديد يوم القيامة، فيرتد عن دينه،
قال القرطبي في التفسير
:" جزع من ذلك كما يجزع من عذاب الله ولا يصبر على الأذية في الله "
وقال ابن عباس:
" يعني فتنته أن يرتد عن دينه إذا أوذي في الله ".
ونحو ذلك قوله تعالى:
) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ (
أي على شك وطرف
) فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ (
وهو ما تميل إليه نفسه وترغبه وتحبه
) اطْمَأَنَّ بِهِ (
؛ أي استقر على أمر العبادة،
) وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ (
أي بلاء وشدة
) انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ (
كافراً مرتداً
) خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ
وما أكثر هؤلاء الذين يعبدون الله على حرف في زماننا؛ حيث تراهم لأدنى بلاء ينزل بالأمة أو إرهاب يمارسه الطاغوت الحاكم على شعبه .. يبادرون الإسراع إلى حلق لحاهم،
وخلع الهدي الظاهر الدال على إسلامهم وتدينهم، واعتزال الجمعة والجماعات .. ومقاطعة الأخلاء من الإخوان الملتزمين من ذوي الدين والخلق .. خشية أن يناله شيء من أذى الطاغوت أو يُصنفه في خانة الأعداء المعارضين له!!
وكذلك قوله تعالى:
) وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ (
؛ فيبتلي الله المؤمنين بالكافرين الظالمين؛ هل يجاهدونهم، وهل يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، ويأطرونهم إلى الحق أم لا، ويبتلي الكافرين والظالمين بالمؤمنين؛ فيقيم عليهم الحجة بالمؤمنين، ويختبرهم هل سيطيعونهم إلى ما يدعونهم إليه من الإيمان والحق أم أنهم سيرفضون ويُعرضون، ليحق عليهم العذاب.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله علية وسلم أنه قال:
" يقول الله تعالى: إني مبتليك ومُبتلٍ بك "
ونحو ذلك قوله تعالى:
) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً
. فما من نبي عبر التاريخ كله إلا وابتلاه الله تعالى بعدو وطاغوت من المجرمين، يُظهر دعوة الحق والتوحيد من خلال جهاده وجهاد جنده وأتباعه .. وباطله وكفره
ولكي تتمايز النفوس والصفوف المؤمنة من الكافرة.
وبالتالي فهؤلاء الذين يزعمون أنهم سلفيون وسنيون
ومن أتباع وورثة الأنبياء والرسل
ثم لا يريدون أن يكون لهم عدو من الطواغيت المجرمين يُجاهدونهم .. ويُظهرون دعوة الحق والتوحيد من خلال مقارعتهم ومقارعة باطلهم وكفرهم .. فهم واهمون ومخطئون
وزعمهم بأنهم سلفيون ومن أتباع الأنبياء والرسل
أثقل عليهم مما لو لم يزعموا هذا الزعم الكبير!!
ومن صور البلاء كذلك الذي هو فتنة على صاحبه إن لم يرده ويواجهه بالصبر والثبات والاستعصام بالحق
أن يُبتلى الشاب المسلم بامرأة ذات منصب وجمال .. تدعوه وتقول له هيت لك .. فإن أجابها إلى ما تدعوه إليه .. هلك وسقط في الفتنة .. وإن استعصم وأبى .. وقال لها إني أخاف الله رب العالمين
ـ وما أقل من يفعل ذلك
ـ نجا وكان ممن يظلهم الله تعالى في ظل عرشه يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله، كما في الحديث الصحيح:
" سبعةٌ يُظلهم الله تعالى يوم القيامة في ظله يوم لا ظِلًّ إلا ظِلُّه "
منهم "
ورجلٌ دعته امرأة ذاتُ منصبٍ وجمال إلى نفسها، فقال إني أخافُ الله ".
ومن صور الفتنة والبلاء كذلك
عندما يُبتلى الدعاة والشيوخ والعلماء .. بما يمنيهم الطاغوت الحاكم من العطاء، والمناصب العالية
وأنه سيقربهم إلى بلاطه ويجعلهم من خاصته
إن هم كتموا العلم وحرفوه عن مواضعه، وأطاعوه وحملوا الناس على موالاته ونصرته وطاعته
فإن هم فعلوا وأجابوه إلى ما دعاهم إليه .. وقعوا في الفتنة .. وهلكوا وأهلكوا .. وضلوا وأضلوا .. وإن أبوا واستعصموا بالحق ـ وما أقلهم الذين يفعلون ذلك وبخاصة في زماننا هذا! ـ نجوا ونجا من منعهم ومن وراءهم ممن يقلدونهم ويتبعون خطاهم فيما يفعلون،
كما في الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله علية وسلم أنه قال
:" يليكم عمال من بعدي يقولون مالا يعلمون، ويعملون مالا يعرفون، فمن ناصحهم ووازرهم، وشدَّ على أعضادهم، فأولئك قد هلَكُوا وأهلَكُوا "
وقال
" سيكون أمراء تعرفون وتنكرون، فمن نابذهم نجا، ومن اعتزلهم سَلِم، ومن خالَطهم هلَك ].
وقال صلى الله علية وسلم :
" اسمعوا هل سمعتم أنه سيكون بعدي أمراءٌ فمن دخل عليهم فصدَّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، وليس بوارد علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يُعنهم على ظلمهم، ولم يصدقهم بكذبهم فهو مني وأنا منه، وهو واردٌ علي الحوض
وقال صلى الله علية وسلم
:" من أتى أبوابَ السلطان افتُتِن، وما ازداد أحدٌ من السلطان قرباً إلا ازدادَ من الله بُعداً "
[ نسأل الله تعالى السلامة، والعفو والعافية.
88888888888888888888888888888888888888888888888888 888888888888888888888888
88888888888888888888888888888888888888888888888888 8
88888888888888888888888888888888
88888888888888888888888888
88888888888888
وان الحمد لله رب العالمين
يتبع ان شاء الله فى التعليقات لطول الموضوع
6-لدفع بلاءٍ أشد
أي أن البلاء أحياناً ينزل بالعبد ليدفع عنه بلاءً أشد وأكبر قد لا يعلمه، الله تعالى يعلمه، كما في قوله تعالى:
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (
فالقتال وما يترتب عليه من قتل وجراحات وآلام بلاء عظيم،
ولكنه شُرع لدفع بلاء أشد وأعظم مما يمكن أن يترتب على القتل والقتال، وإن كان هذا الشر المترتب على ترك القتال ـ على المدى القريب ـ لا نعلمه .. أو كان الخير الراجح المترتب على القتل والقتال كذلك نجهله ولا نعلمه .. فإن الله يعلمه
) وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (.
بل كم من خيرٍ أحدنا يتمناه ويسعى له سعيه
ثم يتبين له فيما بعد أن هذا الخير كان شراً محضاً وأن الخير كل الخير في أن الله تعالى لم يقدره له
فيحمد الله على ذلك
وما أكثر القصص والشواهد الدالة على ذلك لو أردنا الاستدلال على ذلك!
وكم من شرٍّ يكرهه الإنسان ويحذره، ويتمنى لو أنه لم ينزل بساحته
ثم فيما بعد يتبين له أن هذا الشر الذي كان يكرهه ويحذره ولا يريده ولا يتمناه كان خيراً .. فيحمد الله تعالى أن قدره له .. وما أكثر القصص والشواهد الدالة على ذلك لو أردنا الاستدلال على ذلك.
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله علية وسلم أنه قال:
" ألا تسألوني مما ضحكت؟
قلنا يا رسول الله مما ضحكت؟ قال
: رأيت ناساً من أمتي يُساقون إلى الجنة في السلاسل ما أكرهها إليهم!
قلنا من هم؟ قال
: قوم من العجم يسبيهم المهاجرون فيدخلون في الإسلام "
وفي الأثر:
" لو اطلعتم على الغيب لرضيتم بالواقع ".
لأن الله تعالى لا يصدر عنه إلا الحكمة والعدل المطلق، علم من علم وجهل من جهل .. ورضي من رضي وسخط من سخط!
7-ليعود العبد إلى خالقه
فمن مقاصد البلاء وغاياته كذلك أن يُعيد العبد إلى رشده وصوابه، وإلى خالقه إن كان العبد من ذوي الطغيان والنسيان والمعاصي والشرود عن الطاعة،
وما أكثر هذا الصنف من الناس في هذا الزمان!
من الناس من تجده قد تمادى في غيه وظلمه وطغيانه
لا تؤثر به الموعظة ولا الكلمة
فيحتاج إلى بلاء ينزل بساحته يذكره بربه وبحقه عليه
والغاية من وجوده في هذه الحياة
ويُعيده إلى الرشد والصواب.
كثير هم الذين لا يذكرون الله
ولا يقولون يا رب
ولا يعرفون للرب جلا وعلا حقاً
إلا بعد نزول البلاء بساحتهم
فيتنبهون
فيستغفرون ويتوبون!
الله تعالى من صفاته أنه غيور .. يغار على عباده .. لا أحد أغير منه جلا وعلا .. وهو
عندما يرى عبده قد تناوشته الأهواء والمشارب الباطلة .. وضل عنه إلى ما سواه .. فانصرف عن عبادته وطاعته إلى عبادة وطاعة ما سواه
ثم هو مع ذلك لا يردعه ولا يوقفه عن غيه خطاب ولا تذكير ..
نرى أن الله تعالى يُقدر عليه البلاء الذي يوقظه من ثباته وسكرته، ويعيده إلى جادة الحق والصواب، والطاعة والاستقامة.
كما قال تعالى:
) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ
أي بالفقر والضيق في العيش،
) وَالضَّرَّاءِ (
وهي الأمراض والأسقام والآلام،
) لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (
. أي يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون
وهو الغاية والمقصد من نزول البأساء والضراء بهم لو كانوا يعلمون.
وقال تعالى:
) ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا (،
قال ابن كثير في التفسير:
أي يبتليهم بنقص الأموال والأنفس والثمرات اختباراً منه لهم ومجازاة على صنيعهم
) لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
أي عن المعاصي ويتقون الله.
ونحو ذلك قوله تعالى:
) وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ (
أي بالرخاء والشدة
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (
عن المعاصي ويدخلون في التوبة والاستغفار، والطاعة والاستقامة.
لكن هناك فريق من الناس من ذوي الكفر المركب والمغلظ لا ينفع معه سراء ولا ضراء، ولا رخاء ولا شدة؛ فإن أخذوا بالسراء وبلاء الرخاء ازدادوا طغياناً وكفراً وفسوقاً،
وإن أخذوا بالضراء والشدة ازدادوا كذلك عناداًً وطغياناً وكفراً وإعراضاً،
والقرآن الكريم قد أشار لهذا الصنف من الناس، كما قال تعالى:
) وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ . وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (
وقال تعالى:
) فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
فهم لشدة كفرهم وقساوة قلوبهم لا يتضرعون إلى الله بالدعاء والاستغفار والإنابة ليكشف عنهم الضراء!
وهؤلاء سنة الله تعالى فيهم الهلاك، والدمار، والزوال، ولو بعد حين، كما قال تعالى:
) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً
وقال تعالى:
) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (
88888888888888888888888888888888888888888888888888 888888888888888888888888
88888888888888888888888888888888888888888888888888 8
88888888888888888888888888888888
88888888888888888888888888
88888888888888
وان الحمد لله رب العالمين
يتبع ان شاء الله فى التعليقات لطول الموضوع
8-لإظهار الشكر
- لإظهار الشكر، وليُرى من يَشكر ومن يَكفر:
وهذا المقصد متعلق ببلاء الخير والسعة والرخاء دون بلاء الشدة والشر
إذ أن من مقاصد بلاء الخير والسعة، والتفضل على العباد بالنعم الظاهرة والباطنة التي لا تُحصى إظهار الشاكرين من الكافرين للنعم
ومن يشكر الله على نعمائه وفضله، فيزيده، ويُضاعف له الأجر والمثوبة
ومن يكفُره فلا يَشكرُه، فيعذبه ويُعاقبه!
كما قال تعالى:
) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ
أي لئن شكرتم النعم والفضل، ورددتم الفضل والخير كله لله ليزيدنكم الله تعالى من فضله وعطائه،
) وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ (
النعمة، وجحدتم فضل الله عليكم، ورددتم الفضل لأنفسكم فيما أنتم فيه من الخير والنعم
) إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ
وقال تعالى:
) فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ (
أي ليختبرني أأشكر فضله ونعمته علي، وأرد الفضل له وحده، أم أجحد فضله ونعمته علي، وأرد الفضل لنفسي
) وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ (
فحسنة الشكر مردها على الإنسان نفسه؛ ففي الدنيا يزيده الله تعالى بالخير والفضل، وفي الآخرة يُقابله ويجزيه أحسن الجزاء،
) وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (
وقال تعالى:
) فَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ (
؛ أي على علم وخبر عندي، ولأنني أستحقه .. فطغى وبغى وجحد فضل الله عليه .. ورسب في الاختبار .. ونسي الضر الذي مسه من قبل، وكيف كان يدعونا لنكشفه عنه
فالأمر ليس كما زعم هذا الجاهل المغرور
) بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ (
أي هذه النعمة التي مننا بها عليه هي بمثابة اختبار وابتلاء أيشكر أم يكفر، وهل هي ستحمله على الدخول في الطاعة والعبادة لله جلا وعلا أم ستزيده عصياناً وطغياناً
) وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ
9-لتعرف نعمة وفضل الله عليك
- لتعرف نعمة وفضل الله عليك، وتتذكرها فلا تنساها:
فمن مقاصد البلاء وغاياته أن تستشعر فضل الله عليك، فيحملك ذلك على شكره وعبادته، وذلك عندما ترى مبتلىً ببلاء
قد نجاك الله منه،
فتشعر بفضل الله عليك، وتحمده على أن نجاك مما ابتلاه به،
كما أن البلاء الذي ينزل بساحتك قد يكون عظة وعبرة للآخرين ممن سلموا مما ابتُليت به، فيحملهم ذلك على شكر الله
أن نجاهم مما ابتليت به،
وهذا مطلب من مطالب الشرع.
كما في الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله علية وسلم أنه قال
:" من رأى مبتلىً، فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً، لم يصبه ذلك الأذى " ].
وقال صلى الله علية وسلم :
" من فجئه صاحب بلاء فقال الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً، عوفي من ذلكالبلاءكائناً ما كان .
وقال صلى الله علية وسلم
" كن مع صاحبِ البلاءِ، تواضعاً لربك وإيماناً "
أي كن مع صاحب البلاء في تعاملك معه وخدمته ورعايته، والرفق به، تواضعاً لربك الذي سلَّمك مما ابتلاه به، وإيماناً به وبفضله عليك.
ثم
أن الشيء يُعرف بضده؛
فنعمة الإيمان والتوحيد تُعرف أكثر عندما يُعرف الكفر وقباحته وظلمه
، ونعمة العدل تُعرف أكثر عندما يُعرف الظلم وقبحه،
ونعمة الصحة والعافية تُعرف أكثر ويُقدر قدرها عندما تُعرف الأسقام والأمراض وآلامها،
ونعمة الغنى يُعرف قدرها أكثر عندما يُعرف الفقر، وتُرى آثاره السيئة على الناس،
ونعمة الأمن تعرفها وتعرف لها قدرها عندما تفقدها وتعيش الخوف والرعب
أو ترى ذلك في الآخرين
وهكذا ما من نعمة فإنها لا تُعرف كما ينبغي، ولا يُقدَّر فضلها إلا إذا فُقدت وعُرف ضدها .. وهذه من جملة الحكم العديدة من خلق الله تعالى للأشياء وأضّادها في آنٍ معاً!
هذه بعض مقاصد وغايات البلاء التي تعينك على فقه البلاء عندما ينزل بساحتك أو ساحة غيرك
فإن استعصى عليك فقه البلاء، والمقصد منه
ولم تجد في المقاصد الآنفة الذكر جواباً عما نزل بك من بلاء
فاعلم أنه لم يبق أمامك سوى التسليم والرضى، مع تحسين الظن باختيار الخالق لك
واحذر
أن تعترض فتنطرد من رحمة الله، وتبوء بإثمك ووزرك!
88888888888888888888888888888888888888888888888888 888888888888888888888888
88888888888888888888888888888888888888888888888888 8
88888888888888888888888888888888
88888888888888888888888888
88888888888888
وان الحمد لله رب العالمين
يتبع ان شاء الله فى التعليقات لطول الموضوع
-كيفية التعامل مع بلاء الشِّدة والشر
ـ ذكرنا من قبل أن البلاء نوعان:
بلاء الشدة والشر، وبلاء الخير والسِّعة
ويأتي السؤال الآن:
كيف يكون التوجيه والتعامل مع كلٍّ من بلاء الشدة والشَّر، وبلاء الخير والسِّعة ..؟
نجيب عن هذا السؤال وفق التفصيل التالي:
- كيفية التعامل مع بلاء الشِّدة والشر:
يجب على المسلم أن يستقبل بلاء الشدة بالرضى والتسليم من جهة كونه قضاء وقدر من الله
وبالصبر
والحمد والاسترجاع؛
فيقول عند كل مصاب أو بلاء
الحمد لله .. وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون
وأن لا يلتمس كشف ما نزل به من ضر إلا من الله تعالى وحده.
قال تعالى
:) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
وقال تعالى
:) وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (
وقال تعالى:)
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ
. أي لنرى من منكم يصبر على بلاء التكاليف وبلاء الجهاد وما يتبعه من آلام وجراح.
وفي الحديث فقد صح عن النبي أنه قال
" ما ابتلى الله عبداً ببلاءٍ وهو على طريقة
يكرهها، إلا جعل الله ذلك البلاءله كفارة وطهوراً، ما لم ينزل ما أصابه منالبلاءبغير الله، أو يدعو غير الله في كشفه
وقال
:" إذا أصابت أحدكُم مصيبةٌ فليقل: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي، فآجرني فيها، وأبدل لي بها خيراً منها "
وقال
:" إذا ماتَ ولدُ العبد قال الله تعالى لملائكته:
قبضتم ولدَ عبدي؟
فماذا قال عبدي؟
فيقولون:
حمِدَكَ واسترجَع ـ
أي قال إنَّا لله وإنَّا لله راجعون ـ
، فيقول الله تعالى:
ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسمُّوه بيتَ الحمد
والصبر على البلاء ينبغي أن يكون عند الصدمة الأولى،
وليس عند نهايتها،
أو بعد حصولها بزمن؛
بعد أن يكون المبتلى قد سخط القدر، واعترض، وناح، وشتم، وشق الجيب
ثم هو لو سألته بعد كل ذلك، لقال لك:
الحمد لله .. صابرون!!
وفي الحديث عن أنس قال:
أتى نبي الله صلى الله علية وسلم على امرأة تبكي على صبي لها فقال لها:"
اتقي الله واصبري "
، فقالت: وما تبالي أنت بمصيبتي؟
فقيل لها:
هذا النبي ، فأتته فلم تجد على بابه بوابين فقالت يا رسول الله لم أعرفك! فقال:
" إنما الصَّبرُ عندالصدمةِالأولى أو عند أول صدمةٍ .
وقال
:" يقول الله سُبحانه:
ابنَ آدم!
إن صبرت واحتسبتَ عندَ الصدمةِ الأولى، لم أرضَ لك ثواباً دونَ الجنةِ
وقال
" يقول الله تعالى: يا ابن آدم!
إذا أخذتُ كريمتَيْكَ ـ
أي عينيك
ـ فصبرتَ واحتسبتَ عندالصدمةِالأولى لم أرضَ لك ثواباً دونَ الجنة
ومما بايع النبي صلى الله علية وسلم عليه النساء:
" أن لا نخمش وجهاً، ولا ندعو وَيْلاً، ولا نشقُّ جيباً، ولا ننشُرُ شعراً "
-كيفية التعامل مع بلاء الخير والسعة
- كيفية التعامل مع بلاء الخير والسعة:
أما بلاءُ الخير والسعة فيجب أن يُقابَل بالشكر، والثناء والحمد، ورد الفضل كله لله وحده، فما أصابنا من حسنة فمن الله تعالى وحده، وما أصابنا من سيئةٍ فمن أنفسنا الأمارة بالسوء، وبما كسبت أيدينا،
نسأل الله تعالى العفو والعافية.
قال تعالى:
) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (
وقال تعالى:)
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (
وقال تعالى:
اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله علية وسلم أنه قال
:" من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كُفرٌ
وقال صلى الله علية وسلم :
" إن الله ليرضى عن العبد يأكلُ الأكلةَ فيحمدُه عليها، ويشرب الشربَة فيحمدُهُ عليها "
فالله تعالى شكور يُحب الشكر ويُحب الشاكرين، ويجزي على الشكر خيراً كثيراً.
قال صلى الله علية وسلم
:" من أكل طعاماً ثم قال: الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنِيه من غير حولٍ مني ولا قوة غُفِر له ما تقدم من ذنبه،
ومن لبس ثوباً فقال: الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنِيه من غير حولٍ مني ولا قوة غُفِر له ما تقدم من ذنبه "
[ . فينفي عن نفسه الحول والقوة في تحصيل أية منفعة، ويرد الفضل في ذلك كله لله جلا وعلا
.
وقال صلى الله علية وسلم
:" من أكل طعاماً فقال الحمدلله الذيأطعمنيهذا ورزقنِيه من غيرِ حولٍ مني ولاقوةٍ، غُفر له ما تقدم من ذنبه
وقال
:" من قال إذا أوى إلى فراشه: الحمد لله الذي كفاني، وآواني، والحمد لله الذي أطعمنيوسقاني، والحمد لله الذي منَّ علي فأفضَلَ؛ فقد حمدالله بجميعِ محامدِ الخلق كلهم
فإن قيل
: كيف ينبغي أن يكون الشكر .. وما هي صفته .. وهل يكفي شكر اللسان؟؟
أقول:
الشكر يجب أن يكون بالقول، والقلب، والعمل، كما قال تعالى:
) اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً (
. أي اعملوا شكراً؛ فالشكر يكون عملاً.
وعليه فإن الشكر ينبغي أن يكون من جنس النعمة التي أنعم ومنَّ اللهُ بها على عبده؛
فمن أنعم الله تعالى عليه بنعمة الغنى والمال،
فشكره أن يُخرج زكاة ماله، ويتصدق ويُحسن على الفقراء والمساكين، ويُنفق في سُبُلِ الخير.
ومن أنعم الله عليه بنعمة قوة الصحة والعافية،
فشكرها أن يُجاهد في سبيل الله، وأن يستغل جسده وقوته في الطاعات الجسدية التي تستلزم نوع قوة بدنية، كالجهاد، والحج والعمرة، والذهاب إلى المساجد، والسعي في طلب الرزق الحلال، ونحو ذلك.
ومن أنعم الله عليه بنعمة الفقه والعلم،
فشكرها أن يبذل العلم للناس، وأن لا يكتمهم علماً يعرفه.
ومن أنعم الله عليه بنعمة الرياسة والزعامة والحكم؛
فشكرها أن يعدل في رعيته، ويحكم فيهم بما أنزل الله.
وكذلك جسد الإنسان
فكل عضو منه له شكره الخاص به الذي يُناسبه،
فنعمة البصر شكرها بأن لا ينظر إلى الحرام، وأن يستغلها في الطاعات؛ كالحراسة على الثغور، وقراءة القرآن، ومطالعة الكتب النافعة، ونحو ذلك.
وكذلك نعمة السمع، فشكرها أن لا يستمع إلى الحرام، وأن لا يسترق السمع ويتجسس على عورات المسلمين
وأن يستخدمها في الطاعات.
ونعمة اللسان، شكرها بذكر الله تعالى، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. وببذل النصح للناس، واجتناب الغيبة والنميمة، والكذب، وشهادة الزور، والخوض في أعراض الناس.
ونعمة اليد شكرها أن لا تمتد إلى حرام، وأن لا تبطش بغير حق من لا يستحق ..!
ونعمة الرِّجل شكرها أن تسعى إلى المساجد ومواطن الطاعة والعبادة .. وأن لا تسعى بصاحبها إلى الحرام
وما أكثر أماكن الحرام في هذا الزمان!
ونعمة القلب شكرها أن لا ينشغل القلب بغير خالقه، وأن لا يكون فيه موطن محبة لغير الله وما يُحب الله.
وهكذا كل عضوٍ من أعضاء الجسد له الشكر الذي يُجانسه ويُناسبه،
والله تعالى أعلم.
ـ مسألة:
إذا كان البلاء يكفر الذنوب والخطايا، ويرفع صاحبه الدرجات والمقامات العليا يوم القيامة .. هل يجوز للمرء أن يطلب البلاء، ويستشرفه، ويسعى له سعيه ..؟
أقول:
لا يجوز للمسلم أن يطلب البلاء، أو أن يستشرفه، ويسعى له سعيه
وإنما عليه أن يسأل الله السلامة والعفو والعافية
ولكن الذي يمكن أن يُقال:
أن على المسلم أن يقوم بواجباته الشرعية، وأن يتحرك نحو أهداف هذا الدين، وفق ما أمر الله تعالى
فإن أصابه بلاء وشدة وهو في الطريق نحو أهداف هذا الدين
ـ ولا بد أنه صائبه ـ
فعليه حينئذٍ أن يتجلد ويترجل، ويتصبر، ويسأل الله تعالى السلامة والصبر والثبات.
البلاء لا يُطلب
ولا يجوز أن يُطلب
ولكن
إن قدَّره الله تعالى من غير سعي ولا استشراف من العبد
فحينئذٍ يُستقبل بنفس راضية صابرة محتسبة.
فقد صح عن النبي صلى الله علية وسلم أنه قال
:" لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يُذلُّ نفسَه قال يتعرَّض منالبلاءلمالا يطيقه .
وفي رواية عند البخاري في صحيحه:
" كان رسول الله صلى الله علية وسلم يتعوذ من جهد البلاء، ودَرْكِ الشَّقاءِ، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء ".
وعند مسلم:
" أن النبي صلى الله علية وسلم كان يتعوذ من سوء القضاء، ومن دَرْكِ الشقاء، ومن شماتة الأعداء، ومن جهدالبلاء ".
وعن أنس أن النبي صلى الله علية وسلم كان يقول
" اللهم إني أعوذ بك من البَرَصِ، والجنونِ، والجُذامِ، ومن سيِّئ الأسقام
وصح عنه صلى الله علية وسلم كذلك أنه كان يقول
:" اللهم إني أعوذ بك من جَهد البلاء ثم يسكت،
فإذا قال ذلك فليقل:
إلا بلاءفيه عَلاء .
فيستثني البلاء الذي فيه رفعة في الدين،
والدنيا والآخرة، فلا يستعيذ منه.
وعن أنس قال: قال رجل عند النبي صلى الله علية وسلم
: اللهم إن لم تعطني مالاً فأتصدق به، فابتلني ببلاء يكون فيه أجر، فقال صلى الله علية وسلم
:" سبحان الله، لا تُطيقه!
ألا قلت: اللهمَّ آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ".
وفي رواية عنه قال
: دخل النبي صلى الله علية وسلم على رجلٍ قد جهد من المرض، فكأنه فرخٌ منتوف، قال:
" ادعُ الله بشيءٍ أو سله "
، فجعل يقول:
اللهم ما أنت معذبي به في الآخرة، فعجِّله في الدنيا، قال صلى الله علية وسلم :
" سبحان الله! لا تستطيعه ـ أو ـ لا تستطيعون، ألا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار "
، ودعا له فشفاه الله .
واخر دعوانا ان الحمد للة رب العالمين
=======الداعى للخير كفاعلة=========
===============لاتنسى===================
=======جنة عرضها السموات والارض======
======سؤال رب العالمين ======
=======ماذا قدمت لدين الله======
====انشرها فى كل موقع ولكل من تحب واغتنمها فرصة اجر كالجبال=======