![]() |
كيفك انتا " فيروزية " ( قصة قصيرة ))
مشهـد نهاري / خارجي شتـاء / 2005 ميلادي السـاعة العـاشرة صباحاً بخطـوات ٍ بطيئـة، وذهن ٍ شـارد، تـابع سيره في ذلك الشـارع، الذي يتوسط السوق .. كان هندامه، وبعض خصلات شعره الأبيض، تشيان عن وقار رجل ٍ في عقده الخامس. وعنـد وصوله إلى ذلك المقهى، توقف قبـالته، وتمتم متنهداً (هنـا كان لقـاؤنا، في هذا المقهي) .. وابتسم . مشهـد نهاري / خارجي شتـاء / 1985 ميلادي السـاعة العـاشرة صباحاً أفكارٌ كثيرة ٌ جالت في خاطره، حاول أن يستجمعها ، قبل مقابلة العمل المنتظرة. ثلاث سنوات ٍ – ربما أكثر – من التنقل بين الشركـات، ولم يستقـر به الحال على وظيفة ٍ ثابتة ٍ تُرضي طموحه . ( المهم أن أبقى يقـظاً، وواثقـاً من نفسي أثناء المقابلة الشخصية، والأهم من هذا كله... ألّا أتاخر- كعادتي - عن الموعد.) شعر بتوقف جسده فجاة ًعن السير، ورأى تلك الفتاة تلملم أوراقها المبعثرة على الأرض، فأيقن بعدها بأنه من تسبب بكل هذه الجلبة، وبادر على الفور في مساعدتها - أعتذر يا آنسـة... كنت شارد الذهن، هل أنتِ بخير.؟ قالت بارتباك بدى على محياها : - لا عليك .. لم يحدث شيء . لحظات .. وانتهيـا من جمع أوراقها التي لم تخلُ من بعض التلف ..! دعاها إلى فنجان ٍ من القهوة ِفي ذلك المقهى، وسط السوق، وبين ترددها وإصراره استجابت لدعوته . - تفضلا من هنا.. قالها النـادل عند دخولهما باب المقهى، وابتسـامة الترحاب لا تفارق وجهه البشوش .. مشهد نهاري / داخلي الساعة العاشرة والنصف صباحاً الأجواء في هذا المقهىى حميمية، تبعث في النفس الصفاء، زادتها الموسيقى الرحبانية وصوت ( فيروز )، جمالاً ورومانسية. لحظات مرت، قبل أن يحرك النادل الكرسي للخلف قليلاً لها .. - تفضلي يا سيدتي. - شكراً. ليعيد الكرة معه هذه المرة .. ويقول : - تفضلا قائمة المشروبات .. سأعود بعد قليل. حاول أن يخفف من التوتر الذي خيم على طاولتهما، وهو يطالع ملامح وجهها الطفوليـة، وشعرهـا الداكن سواده، فقال : - وكأننـا في أحد الأفلام القديمـة، أنا وأنتِ، ولا ينقصنا إلّا فنجانا القهوة .. وابتسم. كانت مشغولةً بترتيب أوراقهـا المبعثرة على الطاولة، رفعت رأسها في ارتبـاكٍ نحوه، وكأنها أغفلت كلماته - عفوا ً .. ماذا قلت ..؟ - قلت بأن المقهى جميل.. أليس كذلك ؟ أومـأت برأسها وقالت بصوت ٍ خافت : - بلى .. هو كذلك .. - هل زرتـهِ قبل الآن يا آنستي.؟ - لا.. ولكن أظنني سأرتـاده بعد الآن، فقد أحببتــه كانت عودة النـادل، أشبه بوقتٍ مستقطع، ليستجمع شتات فكره، ويتـابع الحوار معهـا. - مـاذا أحضر لكما يا سيدي؟ - فنجانان من القهوة لو سمحت. سعادة ٌ– لا يعرف مصدرها – شعر بها وهو ينظر إلى عينيهـا، فأنستـه موعده المرتقب، وشيء ما في داخله يدفعه إلى مواصلة النظر، لاحظت نظراته لها، فغضت طرفها وقالت : - لم َ كنت على عجلة ٍ من أمرك ..؟ إعتدل في جلسته، وتنحنح، وقال: - كنت على موعد ٍ مع إحدى تلك الشركات، للتقدم إلى وظيفة، ولكن .. وابتسم. شعرت بالحرج للحظاتٍ من الموقف، فاستدركت حوارها معه، وقالت: - أعتذر إن كنت قد تسببت بتأخرك، لكنـك .. وصمتت قليلاً - لا عليـك ِ .. أنا من يتوجب عليه الاعتذار، وأرجو من الله بأن يكون موعدك يحتمل التأجيل ..؟! ابتسمت لـه وقالت : - أي موعــد ٍ ؟ كنت عائدة ً إلى البيت، لا عليـك . - تفضلي القهوة .. - شكراً .. وعلى أنغـام ( فيروز ) .. ( كيفك إنتا ) .. احتسيـا القهوة، وتجاذبا أطراف الحديث، تارة ً عن مفارقات الحياة، وتارة ًسـاد الصمت بينهما، فترك لفكره العنان، وحلـّق في سماء أحلامه، ونسج خيالـه قصـة ً شرقيـة . ومع نهاية أغنية ( فيروز )، همـّت بالرحيل .. - أشكرك على فنجان القهوة .. - العفـو .. هل ترغبيـن في أن أوصلك إلى أي مكـان ..؟! - لا .. أشكرك على لباقتـك .. وابتسمت .. لملمت أوراقهـا ومضت، كأنها حلم جميل، يتلاشى أمـامه دون أن يحرك سـاكنـا ً .. " ترى ما اسمها ..! نسيت أن أسـألها عن اسمها ..! " قرر أن يسميهـا " فيروز " .. مشهـد نهاري / داخلي شتـاء / 2005 ميلادي السـاعة العـاشرة والربع صباحا ً " لم يتغير هذا المقهى كثيراً، رائحة القهوة، وموسيقاه الرائعة، وصوت ( فيروز ) .. ربما بعض ( الديكورات ) الجديدة، وابيضاض شعر هذا الرجل الواقف أمامي الآن .." - صباح الخير يا سيدي .. - صباح النور .. فنجان قهوة لو سمحت .. شكرا ً . على الطرف الآخر من المقهى، قعدت سيدة – في الأربعين من عمرها – على تلك الطاولة المقابلة له، وطلبت فنجان قهوة . تملكته رغبة شديدة في النظر إليها، وأطال النظر .. فتمتم في نفسه : " كأنها فيروزي ...! ربما لا .. لم تكن سوى خمس دقائق فقط، ولا سبيل لدي في التأكد بأنها هي ..! " شعر بارتباك ٍ بعد سماعه صوت النادل : - تفضل قهوتـك يا سيدي .. - شكرا ً .. وعلى الطرف الآخر من المقهى .. - تفضلي يا سيدتي فنجان قهوتـك ِ. شكـرا ً أيهـا النادل ، هل لي بطلـب .؟! - بالطبـع يا سيدتي .. كان يراقب طريقة حديثها مع النادل بتمعن ٍ، عـلّ معجزة ً من السماء تهبط على ذاكرته، فيتيقن بأنها ( فيروزه ) التي يأمل. وسرعان ما عاد ببصره إلى طاولته، بعد أن لاحظت اهتمامه، فحاول التظاهر بالإنشغال، تارة ً بأدوات الطاولة ، وبالنظر إلى ساعته ينتظر قدوم اللاأحد تارة ً أخرى .. وبينمـا هو في إنشغاله – المصطنع – علا صوت ( فيروز ) في المقهى .. ) كيفك إنتا .. عم بيقولوا صار عندك ولاد .. أنا والله كنت مفكرتك برات البلاد ) .. ابتسم، ولم يرفع عيناه عن الطاولة، واستسلم لغناء ( فيروز) وذكراه الجميلة في ذلك اليوم. ومع انتهاء أغنية ( فيروز ) ، رفع رأسه، وبحركة من يده، فهم النادل رغبته بالرحيل، ونظر حوله فلم يجدها. تمتم في نفسه " غادرت تلك السيدة المقهى، ولن أعرف إن كانت هي فيروزي أم لا ..! " - تفضل يا سيدي الفاتورة .. - من فضلك .. هل لك أن تعيد لي أغنية ( كيفك أنتا ) مرة ً أخرى ..؟! وددت أن أسمعها قبل مغادرتي .. قـال هذه الجملـة ، وهو يضع النقود في الحافظة الجلدية .. - بالتاكيـد يا سيدي ، سأعيدها للمرة الرابعة..! قال جملته وابتسما .. - الرابعة ! نعم يا سيدي .. فالطلب على هذه الأغنية اليوم كثيـر، وآخرهـن من السيدة التي كانت تقعد أمـامك قبل دقائق ..! بإذنك يا سيدي .. - تفضــل .. أطرق رأسه إلى الأرض .. وابتسم. تمت .... |
قراتها سابقا
قصة جميلة جدا دوما لمساتك الإبداعية تظهر لك اسلوب جميل يصل للقلوب بسلاسة شكراً لك |
قراتها سابقا
قصة جميلة جدا دوما لمساتك الإبداعية تظهر لك اسلوب جميل يصل للقلوب بسلاسة شكراً لك |
القصة جميلة واحداثها حلوة ومرتبة بطريقة رائعة وبتجذب لقراءتها للنهاية
يعطيك العافية لادراجك الراقي .. |
اقتباس:
سرني استحسانك للقصة، وتشرفت بك دائماً شكراً لكلماتك الطيبة .. كل التحية |
اعجبتني جدا القصه ... مع الست فيروز وصوتها الملائكي تشعر بالذكريات بالحنين بالدفء بعبق الماضي الجميل
فلكل منا حكايته الخاصه مع اغاني الست فيروز الف شكر عالقصه المميزه |
اقتباس:
سعيدٌ بتواجدك ورأيك في هذه القصة، وهي تعتبر من أوائل القصص التي كتبتها، وأحبها حقيقة. كل الشكر لك أيها الجميل، على كلماتك الطيبة كل التحية |
اقتباس:
أ. عذبة المشاعر صدقتِ .. وكل أغنية لفيروز خلفها حكاية دافئة، وصوتها هو الملهم لهذه القصة سعدت بأنها قد أعجبتكِ، وتشرفت بتواجدكِ هنا التحايا أزكاها |
احداث القصة مع انغام الفيروزة رائعه
خاصة اول لقاء تم بتفاصيله الصغيرة ثم تكرار نفس اللقاء ولكن بعد مرور 20 عام الا انه هذه المرة تكررصدفه دون كلام ولكن فقط هي اغنية الفيروزة التي رسخت بذاكرتهم ذكري باقيه نهاية فيها من الالم قدر كبير لكنه الواقع بالاخير ابدعت استاذي ولاجديد ع هذا الابداع ميرسي |
اقتباس:
سعادتي حين أقرأ تعايشك مع اجواء النص بهذا الجمال والشفافية .. سعادتي كبيرة. ممتنٌ لكِ وقتكِ وكلماتكِ الطيبة .. لكِ من الود وافره |
الساعة الآن 05:38 PM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
هذا الموقع يتسخدم منتجات Weblanca.com
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by
Advanced User Tagging (Lite) -
vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd.