قطر الندى
02-28-2023, 10:50 AM
https://l.top4top.io/p_26154euvr0.jpg
زمانُكَ بستانٌ و عصرُكَ أخضرُ
و ذكراكَ ، عصفورٌ منَ القلبِ ينقِرُ
ملأنا لكَ الأقداحَ ، يا مَن بِحُبّهِ
سكِرنا ، كما الصوفيُّ باللهْ يَسكرُ
دخلتَ على تاريخنا ذات ليلةٍ
فرائحةُ التاريخْ مسكٌ و عنبرُ
و كنتَ ، فكانَتْ فى الحقولِ سنابلٌ
و كانتْ عصافيرٌ و كانَ صنوبرُ
لمسْتَ أمانينا ، فصارتْ جداولاً
و أمطرتنا حبّاً و لا زلتَ تمطرُ
تأخّرتَ عن وعد الهوى يا حبيبنا
و ما كُنتَ عن وعد الهوى تتأخرُ
سَهِدْنا و فكّرنا و شاخت دموعنا
و شابَتْ ليالينا و ما كنتَ تحضُرُ
تعاودنى ذكراكَ كلّ عشيّةٍ
و يورقُ فكرى حينَ فيكَ أفكّرُ
و تأبى جراحى أن تضُمَّ شفاهَها
كأنَ جراحَ الحبّ لا تتخثّرُ
أحبّكَ ، لا تفسيرَ عندى لصَبْوتى
أفسّر ماذا ؟ و الهوى لا يُفسَّرُ
تأخرتَ يا أغلى الرجالْ ، فلَيلِنا
طويلٌ و أضواءُ القناديلِ تسهرُ
تأخّرتَ ، فالساعاتْ تأكلُ نفسَها
و أيامُنا فى بعضَها تتعثّرُ
أتسأل عن أعمارِنا ؟ أنتَ عُمرِنا
و أنتَ لنا المهدىُّ ، أنتَ المحرّرُ
و أنتَ أبو الثوراتْ ، أنتَ وقودُها
و أنتَ انبعاثَ الأرضْ ، أنتَ التغيّرُ
تضيقُ قبورُ الميتينَ بمنْ بِها
و فى كلِ يومٍ أنتَ فى القبرْ تكبُرُ
تأخَرتَ عنّا ، فالجيادُ حزينَةً
و سيفُكَ مِن أشواقِهِ ، كادَ يكفرُ
حِصانُكَ فى سيناءْ يشربُ دمعَهُ
و يا لعذابَ الخَيلِ ، إذ تتذكّرُ
و راياتُكَ الخضراءْ تمضَغُ دربَها
و فوقَكَ آلافَ الأكاليلِ تُضْفَرُ
تأخَرتَ عَنا ، فالمسيحُ معذّبٌ
هناكَ و جرحَ المجدليةِ أحمرُ
نساءُ فلسطينْ تكحّلنَ بالأسى
و فى بيت لحمٍ قاصراتٌ و قصّرُ
و ليمونُ يافا يابسٌ فى حقولهِ
و هلْ شجرٌ فى قبضة الظُلم يُزهرُ؟
رفيقَ صلاحَ الدينْ ، هل لكَ عودةٌ
فإنَ جيوشَ الرومْ تَنهى و تأمرُ
رفاقُكَ فى الأغوارْ شدّوا سُروجَهُمْ
و جُندُكَ فى حِطِّين ، صلّوا و كبّروا
تُغنّى بكَ الدّنيا ، كأنكَ طارقٌ
على بركات الله ، يرسو و يُبحرُ
تُناديكَ من شوقٍ مآذنُ مكّةَ
و تُبكيكَ بَدرٍ ، يا حبيبي و خيبرُ
و يَبكيكَ صفصافَ الشام و وردها
و يَبكيكَ زهرُ الغوطَتَينِ و تدمر
تعالَ إلينا ، فالمروءاتُ أطرقَتْ
و موطنُ آبائى زُجاجٌ مكسّرُ
هُزِمنا و ما زِلنا شِتاتَ قبائلٍ
تعيشُ على الحقدِ الدفينَ و تثأرُ
يُحاصِرنا كالموتْ ألفُ خليفةً
ففى الشرقِ هولاكو و فى الغربِ قيصرُ
أبا خالدٍ أشكو إليكَ مواجِعى
و مِثلى لهُ عذرٌ و مثلُكَ يُعذَرُ
أنا شجرُ الأحزانْ ، أنزفُ دائماً
و فى الثلجَ و الأنواءِ ، أعطى و أُثمرُ
يثيرُ حزيرانٌ جنوني و نِقْمتي
فأغتالَ أوثاني و أبكي و أكفرُ
و أذبحَ أهلَ الكهفِ فوقَ فِراشِهِمْ
جميعاً و من بوّابةَ الموتِ أعبرُ
و أتركُ خلفي ناقَتي و عباءَتي
و أمشي ، أنا فى رَقْبة الشمس خِنجرُ
و أصرخُ : يا أرضَ الخرافاتِ ، إحْبلى
لعلَّ مسيحاً ثانياً ، سوفَ يظهَرُ
#نــــزار_الــقــبــانــــي
زمانُكَ بستانٌ و عصرُكَ أخضرُ
و ذكراكَ ، عصفورٌ منَ القلبِ ينقِرُ
ملأنا لكَ الأقداحَ ، يا مَن بِحُبّهِ
سكِرنا ، كما الصوفيُّ باللهْ يَسكرُ
دخلتَ على تاريخنا ذات ليلةٍ
فرائحةُ التاريخْ مسكٌ و عنبرُ
و كنتَ ، فكانَتْ فى الحقولِ سنابلٌ
و كانتْ عصافيرٌ و كانَ صنوبرُ
لمسْتَ أمانينا ، فصارتْ جداولاً
و أمطرتنا حبّاً و لا زلتَ تمطرُ
تأخّرتَ عن وعد الهوى يا حبيبنا
و ما كُنتَ عن وعد الهوى تتأخرُ
سَهِدْنا و فكّرنا و شاخت دموعنا
و شابَتْ ليالينا و ما كنتَ تحضُرُ
تعاودنى ذكراكَ كلّ عشيّةٍ
و يورقُ فكرى حينَ فيكَ أفكّرُ
و تأبى جراحى أن تضُمَّ شفاهَها
كأنَ جراحَ الحبّ لا تتخثّرُ
أحبّكَ ، لا تفسيرَ عندى لصَبْوتى
أفسّر ماذا ؟ و الهوى لا يُفسَّرُ
تأخرتَ يا أغلى الرجالْ ، فلَيلِنا
طويلٌ و أضواءُ القناديلِ تسهرُ
تأخّرتَ ، فالساعاتْ تأكلُ نفسَها
و أيامُنا فى بعضَها تتعثّرُ
أتسأل عن أعمارِنا ؟ أنتَ عُمرِنا
و أنتَ لنا المهدىُّ ، أنتَ المحرّرُ
و أنتَ أبو الثوراتْ ، أنتَ وقودُها
و أنتَ انبعاثَ الأرضْ ، أنتَ التغيّرُ
تضيقُ قبورُ الميتينَ بمنْ بِها
و فى كلِ يومٍ أنتَ فى القبرْ تكبُرُ
تأخَرتَ عنّا ، فالجيادُ حزينَةً
و سيفُكَ مِن أشواقِهِ ، كادَ يكفرُ
حِصانُكَ فى سيناءْ يشربُ دمعَهُ
و يا لعذابَ الخَيلِ ، إذ تتذكّرُ
و راياتُكَ الخضراءْ تمضَغُ دربَها
و فوقَكَ آلافَ الأكاليلِ تُضْفَرُ
تأخَرتَ عَنا ، فالمسيحُ معذّبٌ
هناكَ و جرحَ المجدليةِ أحمرُ
نساءُ فلسطينْ تكحّلنَ بالأسى
و فى بيت لحمٍ قاصراتٌ و قصّرُ
و ليمونُ يافا يابسٌ فى حقولهِ
و هلْ شجرٌ فى قبضة الظُلم يُزهرُ؟
رفيقَ صلاحَ الدينْ ، هل لكَ عودةٌ
فإنَ جيوشَ الرومْ تَنهى و تأمرُ
رفاقُكَ فى الأغوارْ شدّوا سُروجَهُمْ
و جُندُكَ فى حِطِّين ، صلّوا و كبّروا
تُغنّى بكَ الدّنيا ، كأنكَ طارقٌ
على بركات الله ، يرسو و يُبحرُ
تُناديكَ من شوقٍ مآذنُ مكّةَ
و تُبكيكَ بَدرٍ ، يا حبيبي و خيبرُ
و يَبكيكَ صفصافَ الشام و وردها
و يَبكيكَ زهرُ الغوطَتَينِ و تدمر
تعالَ إلينا ، فالمروءاتُ أطرقَتْ
و موطنُ آبائى زُجاجٌ مكسّرُ
هُزِمنا و ما زِلنا شِتاتَ قبائلٍ
تعيشُ على الحقدِ الدفينَ و تثأرُ
يُحاصِرنا كالموتْ ألفُ خليفةً
ففى الشرقِ هولاكو و فى الغربِ قيصرُ
أبا خالدٍ أشكو إليكَ مواجِعى
و مِثلى لهُ عذرٌ و مثلُكَ يُعذَرُ
أنا شجرُ الأحزانْ ، أنزفُ دائماً
و فى الثلجَ و الأنواءِ ، أعطى و أُثمرُ
يثيرُ حزيرانٌ جنوني و نِقْمتي
فأغتالَ أوثاني و أبكي و أكفرُ
و أذبحَ أهلَ الكهفِ فوقَ فِراشِهِمْ
جميعاً و من بوّابةَ الموتِ أعبرُ
و أتركُ خلفي ناقَتي و عباءَتي
و أمشي ، أنا فى رَقْبة الشمس خِنجرُ
و أصرخُ : يا أرضَ الخرافاتِ ، إحْبلى
لعلَّ مسيحاً ثانياً ، سوفَ يظهَرُ
#نــــزار_الــقــبــانــــي