مذهل .
04-09-2021, 01:59 PM
تقول الأسطورة أن مجموعة من المهاجرين فروا من بيرو نتيجة طغيان الاسبان إلى وادي غامض في جبال الإنديز و بعد انتقالهم حدثت انهيارات صخرية فصاروا معزولين في هذا الوادي و لم يتركوا الوادي قط ..
انتشر بينهم نوع غامض من التهاب العيون فأُصيبوا جميعهم بالعمى و قد فسروا هذا بانتشار الخطايا بينهم و هكذا توارث العمى بينهم جيلًا بعد جيل
كان ( نيونز ) المكتشف و متسلق الجبال و بطل قصتنا يعرف تلك الأسطورة جيدًا و لكن الذهول أصابه في هذا اليوم عندما أدرك أنها لم تكن أسطورة !
بينما يتسلق جبال الإنديز مع فريق بريطاني ذُلت قدمه و سقط من مسافة شاسعة .. لدرجة جعلتهم لم يستطيعوا رؤيته أو رؤية الوادي الذي سقط فيه و لكن لحسن حظه سقط فوق وسادة ثلجية و لم يمت ..
صار على قدميه المتألمتين و نظر ميسرةً و ميمنة ليجد بيوت ألونها فاقعة و فوضوية و ليس لها نوافذ لدرجة جعلته يتخيل أن من بنى تلك البيوت أعمى كالخفاش !
رأى الناس في تلك القرية فراح يصرخ و ينادي و لكن المفاجأة أنهم لم ينظروا إليه ليدرك أنهم حقًا عميان !
و أدرك في تلك اللحظة أن الأسطورة كانت حقيقة بالفعل ..
https://qph.fs.quoracdn.net/main-qimg-400fb25482c8e13d243b984104ec2536
راح يشرح لهم أنه جاء من بوجاتا حيث يبصر الناس .. و هنا تظهر مشكلة .. ما معنى كلمة يبصر ؟!
راحوا يتحسسون وجه و يغرسون أصابعهم في عينه فظهرت لهم كعضو غريب .. و بينما هو يسير فتعثر نتيجة السقوط من تلك المسافة فأدركوا أنه غريب و ليس على ما يرام و أخذوه لكبيرهم
أدرك أنهم يعيشون في ظلام دامس و أنه ضعيف في هذا المجتمع فقد مر على العميان خمسة عشر جيلًا و بالتالي فما يصفه لهم أقرب للأساطير .. و هكذا بدأ يتعرف على فلسفتهم
( الزمن نصفين نصف بارد و نصف دافئ الدافئ للنوم و البارد للعمل ) و هنا يقصدون الليل و النهار !
( هناك ملائكة تُسمع و لكن لا تُلمس ) و هنا يقصدون الطيور .
تذكر المقولة الشهيرة : في بلد العميان يصير الأعور ملكًا و كان على يقين أنه سيسود هؤلاء القوم و لكن الأمر كان أعسر مما يتخيل
هم يعرفون كل شئ بآذانهم و يستخدمون أنوفهم ببراعة شديدة .
راح يحكي لهم عن جمال الجبال و الشمس و الغروب و أراد أن يريهم أهمية البصر فرأى المدعو بدرو قادم من بعيد ..
( بدرو سيكون هنا حالًا .. أنتم لا تسمعونه و لا تشمون رائحته و لكني أراه )
و لسوء حظه قرر بدرو أن يغير مساره لسبب ما فبدا عليهم الشك .
فراح يحكي لهم عن ألوان بيوتهم و لكنهم طلبوا منه أن يحكي ما بداخلها أليس يزعم أن البصر مهم ؟!
حاول الهرب و لكنهم لحقوا به بطريقة العميان المفزعة .. صاروا يصغون و يتشممون الهواء و يغلقون الدوائر من حوله .. فاستطاع الفرار منهم و اختفى عنهم بمسافة.
و بعد فرار يوم كامل من البرد و الرجوع لم يتحمل و لم يستطع ترك الوادي .. فعاد لهم و اعتذر و قال :
( أعترف بأنني غير ناضج .. لا يوجد شئ اسمه البصر ! )
كانوا طيبي القلب فسامحوه بسرعة و لكن فقط قاموا بجلده ثم كلفوه ببعض الأعمال ..
اندمج بينهم و بدأ يميل لفتاة وجدها جميلة لكن العميان لم يكونوا يحبونها لأن وجهها حاد و صوتها عالي و أهدابها طويلة .. أي أنها تخالف فكرتهم عن الجمال .
طلب يدها فرفض أبوها لأنهم يعتبرون ( نيونز ) أقل من مستوى البشر لكن الفتاة تمسكت به فراح الأب يطلب رأي الحكماء ..
( الفتى عنده شيئان غريبان منتفخان يسميهما عينين ، جفنان يتحركان و عليهما أهداب .. هذا العضو المريض قد أفسد مخه و لذلك لابد من إزالة هذا العضو المريض ليسترد الفتى عقله فيتزوج ابنتك ! )
ملأ الفتى الدنيا صراخًا فهو لن يضحي بعينيه لأي سبب كان .
بعد قليل ارتمت الفتاة على صدره و بكت قائلة :
( ليتك تقبل .. ليتك تقبل ! )
هكذا صار العمى شرطًا ليرتفع من مستوى الإنحطاط و يصير مواطنًا كاملًا ، و قد قبل نيونز أخيرًا و اقتنع بكلامهم و بدأ أخر أيامه مع حاسة البصر ..
خرج ليرى العالم للمرة الأخيرة هنا رأى الفجر يغمر الوادي بلونه الساحر .. أدرك ان حياته هنا لطخة آثمة .. الأنهار و الجبال و السماء و الغابات و النجوم .. كيف يفقد كل هذا من أجل فتاة .. كيف و لماذا أقنعوه أن البصر شئ لا قيمة له برغم أن هذا خطأ تام .
اتجه إلى حاجز الجبال .. حيث توجد مدخنة حجرية تتجه لأعلى .. و قرر أن يتسلق و عندما غربت الشمس كان بعيدًا جدًا عن بلد العميان
نزفت كفاه و تمزقت ثيابه لكنه كان يبتسم .. رفع عينيه و راح يرمق النجوم ..
_ بلد العميان | ه.ج ويلز
يقول د.أحمد خالد توفيق تعليقًا على تلك القصة في كتابه شاي بالنعناع :
" هناك لحظة تدرك فيها أن الخطأ يسود وينتشر من حولك وفي لحظة كهذه يصير القابض علي المنطق والصواب كالقابض علي الجمر . تشعر بالغربة والاختلاف ولربما يعتبرونك مجنونا أو علي شيء من العته .. الأدهي أن لديك فضائل لكنهم لا يرون فيها أي قيمة . بعد قليل تأتي اللحظة التي تقرر فيها أن تتخلي عن عينيك لتصير كالآخرين . هذه اللحظة آتية ولا ريب فلا تشك فيها .. لكن لو كنت محظوظا لرأيت الفجر وقتها وعرفت فداحة ما ستفقده.. "
انتشر بينهم نوع غامض من التهاب العيون فأُصيبوا جميعهم بالعمى و قد فسروا هذا بانتشار الخطايا بينهم و هكذا توارث العمى بينهم جيلًا بعد جيل
كان ( نيونز ) المكتشف و متسلق الجبال و بطل قصتنا يعرف تلك الأسطورة جيدًا و لكن الذهول أصابه في هذا اليوم عندما أدرك أنها لم تكن أسطورة !
بينما يتسلق جبال الإنديز مع فريق بريطاني ذُلت قدمه و سقط من مسافة شاسعة .. لدرجة جعلتهم لم يستطيعوا رؤيته أو رؤية الوادي الذي سقط فيه و لكن لحسن حظه سقط فوق وسادة ثلجية و لم يمت ..
صار على قدميه المتألمتين و نظر ميسرةً و ميمنة ليجد بيوت ألونها فاقعة و فوضوية و ليس لها نوافذ لدرجة جعلته يتخيل أن من بنى تلك البيوت أعمى كالخفاش !
رأى الناس في تلك القرية فراح يصرخ و ينادي و لكن المفاجأة أنهم لم ينظروا إليه ليدرك أنهم حقًا عميان !
و أدرك في تلك اللحظة أن الأسطورة كانت حقيقة بالفعل ..
https://qph.fs.quoracdn.net/main-qimg-400fb25482c8e13d243b984104ec2536
راح يشرح لهم أنه جاء من بوجاتا حيث يبصر الناس .. و هنا تظهر مشكلة .. ما معنى كلمة يبصر ؟!
راحوا يتحسسون وجه و يغرسون أصابعهم في عينه فظهرت لهم كعضو غريب .. و بينما هو يسير فتعثر نتيجة السقوط من تلك المسافة فأدركوا أنه غريب و ليس على ما يرام و أخذوه لكبيرهم
أدرك أنهم يعيشون في ظلام دامس و أنه ضعيف في هذا المجتمع فقد مر على العميان خمسة عشر جيلًا و بالتالي فما يصفه لهم أقرب للأساطير .. و هكذا بدأ يتعرف على فلسفتهم
( الزمن نصفين نصف بارد و نصف دافئ الدافئ للنوم و البارد للعمل ) و هنا يقصدون الليل و النهار !
( هناك ملائكة تُسمع و لكن لا تُلمس ) و هنا يقصدون الطيور .
تذكر المقولة الشهيرة : في بلد العميان يصير الأعور ملكًا و كان على يقين أنه سيسود هؤلاء القوم و لكن الأمر كان أعسر مما يتخيل
هم يعرفون كل شئ بآذانهم و يستخدمون أنوفهم ببراعة شديدة .
راح يحكي لهم عن جمال الجبال و الشمس و الغروب و أراد أن يريهم أهمية البصر فرأى المدعو بدرو قادم من بعيد ..
( بدرو سيكون هنا حالًا .. أنتم لا تسمعونه و لا تشمون رائحته و لكني أراه )
و لسوء حظه قرر بدرو أن يغير مساره لسبب ما فبدا عليهم الشك .
فراح يحكي لهم عن ألوان بيوتهم و لكنهم طلبوا منه أن يحكي ما بداخلها أليس يزعم أن البصر مهم ؟!
حاول الهرب و لكنهم لحقوا به بطريقة العميان المفزعة .. صاروا يصغون و يتشممون الهواء و يغلقون الدوائر من حوله .. فاستطاع الفرار منهم و اختفى عنهم بمسافة.
و بعد فرار يوم كامل من البرد و الرجوع لم يتحمل و لم يستطع ترك الوادي .. فعاد لهم و اعتذر و قال :
( أعترف بأنني غير ناضج .. لا يوجد شئ اسمه البصر ! )
كانوا طيبي القلب فسامحوه بسرعة و لكن فقط قاموا بجلده ثم كلفوه ببعض الأعمال ..
اندمج بينهم و بدأ يميل لفتاة وجدها جميلة لكن العميان لم يكونوا يحبونها لأن وجهها حاد و صوتها عالي و أهدابها طويلة .. أي أنها تخالف فكرتهم عن الجمال .
طلب يدها فرفض أبوها لأنهم يعتبرون ( نيونز ) أقل من مستوى البشر لكن الفتاة تمسكت به فراح الأب يطلب رأي الحكماء ..
( الفتى عنده شيئان غريبان منتفخان يسميهما عينين ، جفنان يتحركان و عليهما أهداب .. هذا العضو المريض قد أفسد مخه و لذلك لابد من إزالة هذا العضو المريض ليسترد الفتى عقله فيتزوج ابنتك ! )
ملأ الفتى الدنيا صراخًا فهو لن يضحي بعينيه لأي سبب كان .
بعد قليل ارتمت الفتاة على صدره و بكت قائلة :
( ليتك تقبل .. ليتك تقبل ! )
هكذا صار العمى شرطًا ليرتفع من مستوى الإنحطاط و يصير مواطنًا كاملًا ، و قد قبل نيونز أخيرًا و اقتنع بكلامهم و بدأ أخر أيامه مع حاسة البصر ..
خرج ليرى العالم للمرة الأخيرة هنا رأى الفجر يغمر الوادي بلونه الساحر .. أدرك ان حياته هنا لطخة آثمة .. الأنهار و الجبال و السماء و الغابات و النجوم .. كيف يفقد كل هذا من أجل فتاة .. كيف و لماذا أقنعوه أن البصر شئ لا قيمة له برغم أن هذا خطأ تام .
اتجه إلى حاجز الجبال .. حيث توجد مدخنة حجرية تتجه لأعلى .. و قرر أن يتسلق و عندما غربت الشمس كان بعيدًا جدًا عن بلد العميان
نزفت كفاه و تمزقت ثيابه لكنه كان يبتسم .. رفع عينيه و راح يرمق النجوم ..
_ بلد العميان | ه.ج ويلز
يقول د.أحمد خالد توفيق تعليقًا على تلك القصة في كتابه شاي بالنعناع :
" هناك لحظة تدرك فيها أن الخطأ يسود وينتشر من حولك وفي لحظة كهذه يصير القابض علي المنطق والصواب كالقابض علي الجمر . تشعر بالغربة والاختلاف ولربما يعتبرونك مجنونا أو علي شيء من العته .. الأدهي أن لديك فضائل لكنهم لا يرون فيها أي قيمة . بعد قليل تأتي اللحظة التي تقرر فيها أن تتخلي عن عينيك لتصير كالآخرين . هذه اللحظة آتية ولا ريب فلا تشك فيها .. لكن لو كنت محظوظا لرأيت الفجر وقتها وعرفت فداحة ما ستفقده.. "