قطر الندى
02-07-2021, 09:21 AM
خُلِق الإنسان ملولًا، يَمَلّ النعيم إذا طال، ويملّ الشقاء إذا طال؛ يملّ الحر إذا دام، ويمل البرد إذا دام؛ يمل الأكل الشهي اللذيذ إذا استمر عليه، ويمل الأكل الخسيس إذا استمر عليه؛ وقديمًا ملّ بنو إسرائيل أكل المنِّ والسَّلوَى، وقالوا: لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا. .
من أجل هذا استعان الناس على درء الملل بالتنويع والتنقل، ولو من حسن إلى رديء؛ فاشتهوا أتفه الطعام بجانب أجوده، واشتهوا عشش رأس البر، وأكواخ أبي قير، فرارًا من القصور الشامخة والبنيان المشيد؛ وروعي هذا في برامج دراسية: فخط بعد لغة، ورسم بعد حساب، ولغة إنجليزية بعد لغة عربية، دفعًا للملل من الدرس ومن المدرس؛ وروعي كذلك في برنامج الحياة: فلعب بعد عمل، ومزاح بعد جد؛ وراعت الطبيعة هذا في برنامجها: فليل ونهار، وحر وبرد، وسلطان للقمر بعد سلطان للشمس، وهكذا؛ ولولا ذلك لعرَا الناس ملل لا يطاق، ولكانت الحياة عبئًا ثقيلًا لا يحتمل، ولفرّ الناس منها إلى الموت طلبًا للتغيير والتنويع.
•••
أخطأ الناس فظنوا أن الراحة معناها الانغماس في الكسل، والإضراب عن العمل، والتمدد على سرير مريح، أو الاتكاء على كرسيّ مُجَنّح أو نحو ذلك؛ وليس هذا بصحيح دائمًا، ولو كان كذلك لما ملّ الناس هذه الراحة، ولما فروا منها إلى العمل، واستراحوا بالجد والتعب؛ إنما الراحة التغيير من حال إلى حال، من عمل إلى لا عمل، ومن لا عمل إلى عمل.
أحمد أمين
من أجل هذا استعان الناس على درء الملل بالتنويع والتنقل، ولو من حسن إلى رديء؛ فاشتهوا أتفه الطعام بجانب أجوده، واشتهوا عشش رأس البر، وأكواخ أبي قير، فرارًا من القصور الشامخة والبنيان المشيد؛ وروعي هذا في برامج دراسية: فخط بعد لغة، ورسم بعد حساب، ولغة إنجليزية بعد لغة عربية، دفعًا للملل من الدرس ومن المدرس؛ وروعي كذلك في برنامج الحياة: فلعب بعد عمل، ومزاح بعد جد؛ وراعت الطبيعة هذا في برنامجها: فليل ونهار، وحر وبرد، وسلطان للقمر بعد سلطان للشمس، وهكذا؛ ولولا ذلك لعرَا الناس ملل لا يطاق، ولكانت الحياة عبئًا ثقيلًا لا يحتمل، ولفرّ الناس منها إلى الموت طلبًا للتغيير والتنويع.
•••
أخطأ الناس فظنوا أن الراحة معناها الانغماس في الكسل، والإضراب عن العمل، والتمدد على سرير مريح، أو الاتكاء على كرسيّ مُجَنّح أو نحو ذلك؛ وليس هذا بصحيح دائمًا، ولو كان كذلك لما ملّ الناس هذه الراحة، ولما فروا منها إلى العمل، واستراحوا بالجد والتعب؛ إنما الراحة التغيير من حال إلى حال، من عمل إلى لا عمل، ومن لا عمل إلى عمل.
أحمد أمين