قطر الندى
01-01-2021, 01:50 PM
https://a.top4top.io/p_1827o4s5h0.jpg
تمضي السنة وتجيء أخرى بعدها فمن لم يعمل خيراً فيها عمله في التي تليها .
إن فاتك عمل الخير في النهار فعندك الليل (خِلْفَةٌ) منه فاعمل الخير فيه .
مواسم متتابعة
إن أضعت الموسم فلم تزرع فيه ، فازرع الذي يليه .
وإن رسبت في الامتحان في دورة حزيران ، فعندك دورة أيلول .
هي خِلْفَةٌ لك ما بقيت حياً ، ولكن هل تعلم كم تبقى حياً ؟
ينقضي العام فتظن أنك عشته ، وأنت في الحقيقة قد مِتّه ،
لا تعجبوا من هذا المقال ودعوني أوضح الفكرة بالمثال .
أنت كالموظف الذي منح إجازته السنوية شهراً كاملاً ،
إذا قضى فيها عشرة أيام يكون قد خسر منها عشرة أيام فصار الشهر عشرين ،
فإذا مر عشرون صار الشهر عشراً ،
فإذا تم الشهر انقضت الإجازة فكأنها لم تكن .
أتظنون أني (أتفلسف) ؟
لا والله ، بل أصف الواقع .
نحن كلما ازداد عمر الواحد منا سنة في العدِّ ، نقصت من عمره سنة في الحقيقة ،
حتى ينفد العمر ، ويأتي الأجل ، ونستقبل حياة أخرى تبدأ بالموت .
فنحن نوسع المستقبل بالأمل .
وما هذا المستقبل الذي نسعى إليه ، ونكدّ من أجله ؟
لمّا كنت طالباً كان مستقبلي في نيل الشهادة ،
فلما نلتها صار المستقبل في الوصول إلى الوظيفة .
فلما وصلت إليها صار المستقبل في بناء الأسرة وإنشاء الدار ، وإنسال الولد ،
فلما صارت لي الزوجة والدار والأولاد والحفَدة ،
صار المستقبل في الترقيات والعلاوات والمال المدخر ،
وفي الشهرة والمجد والكتب والمقالات ، فلما تم لي بفضل الله ذلك كله ،
لم يبق لي مستقبل أفكر فيه ، إلاّ أن ينوِّر الله بصيرتي ،ويريني طريقي ،
فأعمل للمستقبل الباقي ، للآخرة ، وإني لفي غفلة منها .
فالمستقبل في الدنيا شيء لا وجود له ،
إنه يوم لن يأتي أبداً لأنه إن جاء صار ( حاضراً(
وطفق صاحبه يفتش عن (مستقبل) آخر ، يركض وراءه .
إنه (كما قلت مرة) مثل حزمة الحشيش المعلقة بخشبة مربوطة بسرج الفرس
تلوح أمام عينيه فهو يعدو ليصل إليها ،
وهي تعدو معه فلا يدركها أبداً .
علي الطنطاوي ⚘
تمضي السنة وتجيء أخرى بعدها فمن لم يعمل خيراً فيها عمله في التي تليها .
إن فاتك عمل الخير في النهار فعندك الليل (خِلْفَةٌ) منه فاعمل الخير فيه .
مواسم متتابعة
إن أضعت الموسم فلم تزرع فيه ، فازرع الذي يليه .
وإن رسبت في الامتحان في دورة حزيران ، فعندك دورة أيلول .
هي خِلْفَةٌ لك ما بقيت حياً ، ولكن هل تعلم كم تبقى حياً ؟
ينقضي العام فتظن أنك عشته ، وأنت في الحقيقة قد مِتّه ،
لا تعجبوا من هذا المقال ودعوني أوضح الفكرة بالمثال .
أنت كالموظف الذي منح إجازته السنوية شهراً كاملاً ،
إذا قضى فيها عشرة أيام يكون قد خسر منها عشرة أيام فصار الشهر عشرين ،
فإذا مر عشرون صار الشهر عشراً ،
فإذا تم الشهر انقضت الإجازة فكأنها لم تكن .
أتظنون أني (أتفلسف) ؟
لا والله ، بل أصف الواقع .
نحن كلما ازداد عمر الواحد منا سنة في العدِّ ، نقصت من عمره سنة في الحقيقة ،
حتى ينفد العمر ، ويأتي الأجل ، ونستقبل حياة أخرى تبدأ بالموت .
فنحن نوسع المستقبل بالأمل .
وما هذا المستقبل الذي نسعى إليه ، ونكدّ من أجله ؟
لمّا كنت طالباً كان مستقبلي في نيل الشهادة ،
فلما نلتها صار المستقبل في الوصول إلى الوظيفة .
فلما وصلت إليها صار المستقبل في بناء الأسرة وإنشاء الدار ، وإنسال الولد ،
فلما صارت لي الزوجة والدار والأولاد والحفَدة ،
صار المستقبل في الترقيات والعلاوات والمال المدخر ،
وفي الشهرة والمجد والكتب والمقالات ، فلما تم لي بفضل الله ذلك كله ،
لم يبق لي مستقبل أفكر فيه ، إلاّ أن ينوِّر الله بصيرتي ،ويريني طريقي ،
فأعمل للمستقبل الباقي ، للآخرة ، وإني لفي غفلة منها .
فالمستقبل في الدنيا شيء لا وجود له ،
إنه يوم لن يأتي أبداً لأنه إن جاء صار ( حاضراً(
وطفق صاحبه يفتش عن (مستقبل) آخر ، يركض وراءه .
إنه (كما قلت مرة) مثل حزمة الحشيش المعلقة بخشبة مربوطة بسرج الفرس
تلوح أمام عينيه فهو يعدو ليصل إليها ،
وهي تعدو معه فلا يدركها أبداً .
علي الطنطاوي ⚘