m0m3n
12-24-2020, 11:01 PM
بقلم الوالد
لأول مرة منذ الانقسام الفلسطيني في 2007 يصل إلى غزة وفد من وزارة الخارجية المصرية . كل الوفود السابقة كانت تابعة للمخابرات العامة ، وتأتي لأسباب أمنية تتصل في أكثرها بعلاقة غزة مع إسرائيل ،وفي أقلها بعلاقتها مع سيناء . وكانت الوفود تأتي من معبر بيت حانون بالتنسيق مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية ، والاتفاق بين الأطراف الثلاثة على الموضوعات التي ستناقشها الوفود مع حماس وقوى المقاومة الأخرى مثل الجهاد الإسلامي . الآن هناك اختلافان.
الأول : الوفد من وزارة الخارجية ، وإن كان بالطبع مصحوبا بممثل للمخابرات.
والثاني: قدومه من معبر رفح بين مصر وغزة. الاختلافان كبيران، ولهما دلالة كبيرة ، وتوضح بعض التكهنات الأمر بالقول إن الوفد ينوي مناقشة إعادة افتتاح الممثلية المصرية التي أغلقت بعد الانقسام. ونفي المرافق الإعلامي للوفد هذا التكهن إلا أنه نفي مشكوك في صحته.
فالخارجية المصرية لا ترسل وفدها إلى غزة إلا لسبب دبلوماسي ، وماذا عساه يكون سوى افتتاح الممثلية ؟! والذي لا نشك فيه أن هذه الخطوة منسقة مع إسرائيل وأميركا والسلطة الفلسطينية ، فما نظن مصر تقدم عليها إلا بضوء أخضر من الأطراف الثلاثة ، وما كان لوفد الخارجية أن يقدم من معبر رفح إلا بالتنسيق مع إسرائيل . ونحن نأسف لهذا التنسيق لسببين . الأول : كونه إقرارا بسيطرة إسرائيل غير المباشرة على قطاع غزة ، والثاني : ربطه أي علاقة بين القطاع ومصر بمصالح إسرائيل ، وربما يكون الأمر كله في نطاق ترتيبات منتظرة تخص مجمل الحالة الفلسطينية . ما يحدث قد يوحي بتطور سياسي قادم أبعد من دلالته على حدث دبلوماسي يُفسَر بالرغبة في تسهيل حركة الناس بين القطاع ومصر تسهيلا يشمل مواطني الطرفين . في غزة جالية مصرية ، وبين الطرفين علاقات اجتماعية قوامها التزاوج بين مواطنيهما ، وتواجه الأسر المتصاهرة مشكلات في التزاور والتواصل المباشر .
وكان إغلاق مصر لممثليتها بعد الانقسام خطأ كبيرا متسرعا ، وتعرضتُ له في ذلك الحين بمقال . فالعلاقة التاريخية والمتنوعة والشاملة لكل جوانب الحياة بين مصر وغزة ما كان يجب أن تعطلها أزمة عابرة مهما كانت مرفوضة من مصر . وفي هذه الحالة أو الأزمة ، حقائق العلاقة التاريخية المتشابكة مقدمة على ما سواها . إنها الدائم الباقي ،وهو العارض الزائل . وفي الضفة وغزة لا وجود رسميا سياديا لدولة فلسطينية ليتم معاملتها وفق الأعراف الدبلوماسية المتبعة عالميا . وعلاقة غزة مع مصر شبيهة في نواحٍ كثيرة بعلاقة الضفة مع الأردن ، وحركة مواطني الضفة متواصلة مع الأردن طوال أربع وعشرين ساعة .
مصر انساقت مع النظرة الإسرائيلية التي ترى قطاع غزة مشكلة أمنية ، فرأته هي أيضا مشكلة أمنية ،وزادت أحداث سيناء هذه النظرة شكوكا وتعقيدا وتوترا إلا أن إسرائيل رأت دائما في قطاع غزة إمكانية اقتصادية لتصدير بضائعها ومنتجاتها إليه ، وحرصت في مهارة على الموازنة بين النظرة الأمنية والنظرة الاقتصادية . مصر لم ترَ في نظرتها إلى غزة سوى الأمن وفي تطرف لا يقوم على أسس واقعية أدى إلى أن تكون البضائع والمنتجات المصرية هي الأقل في غزة موازنة بالصينية والتركية والإسرائيلية .
لا يأتي إلى غزة أي وفد اقتصادي مصري أو أي وفد مدني ، وتجار غزة دائمو الذهاب إلى إسرائيل والصين وتركيا لعقد الصفقات التجارية ، ولا يذهبون إلى مصر . والمطبوعات المصرية لا تصل إلى غزة ، والكتب القليلة التي تصل إليها من مصر تمر أولا بميناء أسدود الفلسطيني المحتل . علاقة غريبة بين الطرفين ، منفصلة عن سياقها التاريخي وحكم الجغرافيا ، ووشائج الأخوة العميقة والمصالح المشتركة .
نأمل أن يعيد افتتاح الممثلية المصرية إذا حدث هذه العلاقة إلى ذلك السياق الطبيعي . نأمل وفي النفس ارتياب .
لأول مرة منذ الانقسام الفلسطيني في 2007 يصل إلى غزة وفد من وزارة الخارجية المصرية . كل الوفود السابقة كانت تابعة للمخابرات العامة ، وتأتي لأسباب أمنية تتصل في أكثرها بعلاقة غزة مع إسرائيل ،وفي أقلها بعلاقتها مع سيناء . وكانت الوفود تأتي من معبر بيت حانون بالتنسيق مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية ، والاتفاق بين الأطراف الثلاثة على الموضوعات التي ستناقشها الوفود مع حماس وقوى المقاومة الأخرى مثل الجهاد الإسلامي . الآن هناك اختلافان.
الأول : الوفد من وزارة الخارجية ، وإن كان بالطبع مصحوبا بممثل للمخابرات.
والثاني: قدومه من معبر رفح بين مصر وغزة. الاختلافان كبيران، ولهما دلالة كبيرة ، وتوضح بعض التكهنات الأمر بالقول إن الوفد ينوي مناقشة إعادة افتتاح الممثلية المصرية التي أغلقت بعد الانقسام. ونفي المرافق الإعلامي للوفد هذا التكهن إلا أنه نفي مشكوك في صحته.
فالخارجية المصرية لا ترسل وفدها إلى غزة إلا لسبب دبلوماسي ، وماذا عساه يكون سوى افتتاح الممثلية ؟! والذي لا نشك فيه أن هذه الخطوة منسقة مع إسرائيل وأميركا والسلطة الفلسطينية ، فما نظن مصر تقدم عليها إلا بضوء أخضر من الأطراف الثلاثة ، وما كان لوفد الخارجية أن يقدم من معبر رفح إلا بالتنسيق مع إسرائيل . ونحن نأسف لهذا التنسيق لسببين . الأول : كونه إقرارا بسيطرة إسرائيل غير المباشرة على قطاع غزة ، والثاني : ربطه أي علاقة بين القطاع ومصر بمصالح إسرائيل ، وربما يكون الأمر كله في نطاق ترتيبات منتظرة تخص مجمل الحالة الفلسطينية . ما يحدث قد يوحي بتطور سياسي قادم أبعد من دلالته على حدث دبلوماسي يُفسَر بالرغبة في تسهيل حركة الناس بين القطاع ومصر تسهيلا يشمل مواطني الطرفين . في غزة جالية مصرية ، وبين الطرفين علاقات اجتماعية قوامها التزاوج بين مواطنيهما ، وتواجه الأسر المتصاهرة مشكلات في التزاور والتواصل المباشر .
وكان إغلاق مصر لممثليتها بعد الانقسام خطأ كبيرا متسرعا ، وتعرضتُ له في ذلك الحين بمقال . فالعلاقة التاريخية والمتنوعة والشاملة لكل جوانب الحياة بين مصر وغزة ما كان يجب أن تعطلها أزمة عابرة مهما كانت مرفوضة من مصر . وفي هذه الحالة أو الأزمة ، حقائق العلاقة التاريخية المتشابكة مقدمة على ما سواها . إنها الدائم الباقي ،وهو العارض الزائل . وفي الضفة وغزة لا وجود رسميا سياديا لدولة فلسطينية ليتم معاملتها وفق الأعراف الدبلوماسية المتبعة عالميا . وعلاقة غزة مع مصر شبيهة في نواحٍ كثيرة بعلاقة الضفة مع الأردن ، وحركة مواطني الضفة متواصلة مع الأردن طوال أربع وعشرين ساعة .
مصر انساقت مع النظرة الإسرائيلية التي ترى قطاع غزة مشكلة أمنية ، فرأته هي أيضا مشكلة أمنية ،وزادت أحداث سيناء هذه النظرة شكوكا وتعقيدا وتوترا إلا أن إسرائيل رأت دائما في قطاع غزة إمكانية اقتصادية لتصدير بضائعها ومنتجاتها إليه ، وحرصت في مهارة على الموازنة بين النظرة الأمنية والنظرة الاقتصادية . مصر لم ترَ في نظرتها إلى غزة سوى الأمن وفي تطرف لا يقوم على أسس واقعية أدى إلى أن تكون البضائع والمنتجات المصرية هي الأقل في غزة موازنة بالصينية والتركية والإسرائيلية .
لا يأتي إلى غزة أي وفد اقتصادي مصري أو أي وفد مدني ، وتجار غزة دائمو الذهاب إلى إسرائيل والصين وتركيا لعقد الصفقات التجارية ، ولا يذهبون إلى مصر . والمطبوعات المصرية لا تصل إلى غزة ، والكتب القليلة التي تصل إليها من مصر تمر أولا بميناء أسدود الفلسطيني المحتل . علاقة غريبة بين الطرفين ، منفصلة عن سياقها التاريخي وحكم الجغرافيا ، ووشائج الأخوة العميقة والمصالح المشتركة .
نأمل أن يعيد افتتاح الممثلية المصرية إذا حدث هذه العلاقة إلى ذلك السياق الطبيعي . نأمل وفي النفس ارتياب .