المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السؤال الخامس ( قصة قصيرة )


عدي بلال
06-29-2019, 08:42 PM
إهداء: أهدي هذا النص إلى زميلتنا الرائعة أ. نقاء، بمناسبة تعيينها مشرفة.. مبروك أ. نقاء
وهذا النص من أقربها إلى نفس القاص.


السؤال الخامس
( قصة قصيرة )

جلس أمام التلفاز ِ في ملل ٍ، وأشعل سيجارته، ووضعها على طاولةٍ خشبية، استقرت على حصيرةٍ بالية، وشرع يقلب في قنواته تارةً، وفي رسائل هاتفه النقال تارةً أخرى.
استقرت عيناه على رسالةٍ قديمة من صديقه ( عاصم )

(سامحك الله، ألم نتفق على الهجرة سوياً؟! انتظرتك في المطار كثيراً، يبدو بأن ترددك قد انتصر للمرة الألف، سأراسلك حين أصل، الأمر لله )
فابتسم في مرارةٍ وندم .

كانت إشارة الإرسال في جهازه تشير إلى المنتصف، وهو يعلم بأنها ستختفي - كأحلامه - إذا ما تحرك من مقعده هذا .

قنوات التلفاز ِ تصدح بالغناء تارةً، وتنذر بحرب ٍ وشيكة تارةً أخرى، مع كل حركة من حركات أصابعه على جهاز التحكم الذي بيده .

لطالما كان يسخر من قنوات المسابقات التي تصرخ بأرقامها على الشاشة ، ولطالما آمن بأن الحظ لن يطرق بابه أبداً، بيد أنه كان متأكداً بأن الحاج ( متولي ) سيطرق بابه بعد ثلاثة أيام ٍ لينتزع أحد الأمرين، إيجارالبيت أو روحه.

ثم إنه قرر ذات غفلةٍ من تردده أن يجرب حظه ، وضغط أرقاماً عشرة ، كانت تظهر أمامه على الشاشة ، وفوقها جملة ( جائزة المائة ألف دينار)
تلتها رنةٌ طويلةٌ ، وصوتٌ يخبره بأنه تجاوز مرحلة التردد ، وأن لا سبيل للتراجع الآن .

فكر للحظةٍ أن يغلق الخط ، ويكتفي بالندم على فعلته هذه ، وبأنه قد دفع ثمن شجاعته النادرة من رصيده ، وبأنه تعلم الدرس جيداً ، لكنه سمع ذلك الصوت يخبره بالضغط على الرقم واحد لسماع الأسئلة الخمسة ، ففعل .

السؤال الأول : من هو القائد الذي انتصر ... ؟

علمته الحياة بأن الانتصار مسألةٌ نسبيةٌ، تختلف بين ميدان وآخر، وآخر انتصاراته التي يذكرها، هي تلك الشهادة المعلقة على الحائط منذ عشر سنوات، والتي تخبره بأنه قد أصبح مهندساً مع مرتبة الشرف. . كان سعيداً وهو يضغط على الزر الصحيح بكل ثقة .

السؤال الثاني : من هو الروائي الذي كتب ... ؟

العزلة - التي عبرت عنها حياته في هذه الحارة الشعبية - جعلته يعتكف على قراءة الروايات والقصص هروباً من الواقع، الذي ما انفك يحاصره بكل قسوةٍ، ويغتال أحلامه الواحد تلو الآخر، وتقمص الشخصيات التي بداخله كان يساعده على التنفس لمدة ٍ أطول.. ازدادت ابتسامته اتساعاً وهو يضغط على الزر الصحيح للمرة الثانية .

السؤال الثالث : كم من الوقت يحتاج الرجل للصعود إلى ... ؟

تجاهُل ِمشاعره نحو بنت ( أم علاء ) - جارته في الدور الثالث - لم يكن رغبة ً، بقدر ما كان ضرورةً ملحة، فرضتها ظروف فقره، والذي كان يجبره على الصمتِ كلما رنا منها صاعداً إلى شقته في الطابق الأخير . شعر بارتباكٍ قبل أن يضغط على الزرالصحيح هذه المرة..

السؤال الرابع : ما الذي يصدر ضجيجاً أكبر الـــ .... ؟

صياح البائعين في هذه الحارة، أصبح عادةً وطقساً تعود عليه كل صباح، وكلما زادت درجة الحرارة، ازدادت الرغبة في الصياح اكثر، وجبينه يتفصد عرقاً الآن، فتتساقط حبات العرق على عينيه، إلى يديه، وكادت يده تنزلق لوهلةٍ، لكنه ضغط على الزر الصحيح هذه المرة وبشدة .

السؤال الخامس : من هو المناضل الذي ضحى بحياته من أجل ... ؟

كان الطرق على بابه يزداد ضراوةً، وصراخ ( أم علاء ) و الحاج ( متولي ) خلف الباب يعلو أكثر فأكثر، أن افتح الباب إن البيت يحترق .
بيد أنه كاد يغشى عليه وهو يستمع إلى المجيب الآلي( بقي لديك دقيقة واحدة في رصيدك ) فضغط على الزر الصحيح بسرعة ٍ .


(مبروك .. لقد فزت بالجائزة وكل ما عليك فعله هو تسجيل اسمك الثلاثي الآن(

أصابته نوبة ضحكٍ هستيري، وعبراته تقاطعت مع حبات العرق، وانكب على وجهه يكتب في انهماكٍ اسمه، الذي كاد ينساه للحظة، ويداه تتدحرجان على الأزرار، فيعيد كتابة الإسم من جديد، وطرقات الباب تزداد - كما النار - سعيراً .

.

.

قالت ( أم علاء ): حاولنا إنقاذه، لكنه كان ممسكاً بالكرسي وبجهازه النقــال بشدة .. !

مُبتسِم
06-29-2019, 09:14 PM
ابدعت
يعطيك العافية

lonely heart
06-29-2019, 09:32 PM
مسكين هالشخص حتى لما الحظ صار بصفه انحرق بيته ومات ..
وصفت حياة هالشخص ومعاناته بكل دقه
اسلوبك كان سلس وممتع ومشوق كالعاده
ابدعت عدي
يسلمو هالديات ع روعة ما كتبت

نقاء
06-30-2019, 10:01 AM
وانا بقرء كنت فرحانه كتير
ضليت حاسه انه الحظ رح يبتسمله لو بالاخر
والحياه تضحكله

و تكون النهايه جميله
بقدر جمال الكتابه والتعبير والروعه
ولكن وبكل اسف
اخر سطر افسد فرحتي
بتمنى مرات جايه تكون النهايات اجمل
ويكون في امل بقصصك ورواياتك
لانه الحياه فعلا جميله
ودايما في امل
شكرا ولا تكفي
للاهداء
ولابداعك
بانتظار المزيد

أيام
07-01-2019, 08:54 PM
للمرة الأولى مذ قرأت لكَ أشعر بالعبرات تختنق وتتحجر في عيني وضجيج في القلب يتبعه انقباضة مؤلمة وكأنني أخشى من شيء ما...
للمرةِ الأولى لا أتعجل النهاية بل لا أنتظرها
فقط أشعر برهبة المفاجأة مع كل حرف قرأته وعند النهاية باغتني سؤال :
لماذا تغيب ابتسامات الورود حينما تطالها أيادينا ؟
ولماذا تموت الأحلام عندما نعانقها ؟
هل هذا من صنيع أحلامنا والورود أم من صنيع القدر ؟
للمرةِ الأولى أشعر بأن الكلام مخنوقًا بين شفتي مشنوقًا بين أصابعي ... هل لأنني أجيد قراءة ما بين السطور وما خلفها
وأعيشه نبضة نبضة أم لأنني أعيش في مجتمع يدق ناقوس
الأمل ليل نهار في زحام العمر بينما يودعه الأمل بغير رجوع ..
أبدعت أستاذ عدي وأرى حرفي وعجزي يختصمان فيك
فَ عذرًا على التقصير

عدي بلال
07-03-2019, 11:19 AM
ابدعت
يعطيك العافية

القدير خالد

شكراً لتواجدك
عافاك الله ..

لك التحية

عدي بلال
07-03-2019, 11:23 AM
مسكين هالشخص حتى لما الحظ صار بصفه انحرق بيته ومات ..
وصفت حياة هالشخص ومعاناته بكل دقه
اسلوبك كان سلس وممتع ومشوق كالعاده
ابدعت عدي
يسلمو هالديات ع روعة ما كتبت

القديرة رانيا

شكراً لكِ على تواجدكِ ووقتكِ في قراءة هذه القصة، التي تطرح أكثر من إشكالية..
ممتنٌ لكلماتكِ الطيبة، ومتابعتكِ يا رانيا

التحايا أزكاها

عدي بلال
07-03-2019, 11:30 AM
وانا بقرء كنت فرحانه كتير
ضليت حاسه انه الحظ رح يبتسمله لو بالاخر
والحياه تضحكله

و تكون النهايه جميله
بقدر جمال الكتابه والتعبير والروعه
ولكن وبكل اسف
اخر سطر افسد فرحتي
بتمنى مرات جايه تكون النهايات اجمل
ويكون في امل بقصصك ورواياتك
لانه الحياه فعلا جميله
ودايما في امل
شكرا ولا تكفي
للاهداء
ولابداعك
بانتظار المزيد


أ. نقاء

تفاعلكِ مع النص، هو ما يصبو إليه القاص/ الكاتب، حتى يشعر بأن ما كتبه قد وصل إلى القارىء.
جميعنا نحب النهايات السعيدة، لكن الحياة لها وجه آخر، أحاول أن أعبر عنه أحياناً وليس دائماً ..
أحببت أن اهدي هذا النص لكِ، فهو الأقرب إلى نفسي، وقد أشاد به أغلب الأساتذة، وترجم للغة الإنجليزية، ونشر في جريدة حكومية في سوريا ..

أعدكِ أن تكون النهاية للقصة القادمة مفرحة، بل ومضحكة أيضاً ( تكرم عيونك )

شكراً لقبولكِ الإهداء أ. نقاء
لكِ من الود وافره ..

عدي بلال
07-03-2019, 11:38 AM
للمرة الأولى مذ قرأت لكَ أشعر بالعبرات تختنق وتتحجر في عيني وضجيج في القلب يتبعه انقباضة مؤلمة وكأنني أخشى من شيء ما...
للمرةِ الأولى لا أتعجل النهاية بل لا أنتظرها
فقط أشعر برهبة المفاجأة مع كل حرف قرأته وعند النهاية باغتني سؤال :
لماذا تغيب ابتسامات الورود حينما تطالها أيادينا ؟
ولماذا تموت الأحلام عندما نعانقها ؟
هل هذا من صنيع أحلامنا والورود أم من صنيع القدر ؟
للمرةِ الأولى أشعر بأن الكلام مخنوقًا بين شفتي مشنوقًا بين أصابعي ... هل لأنني أجيد قراءة ما بين السطور وما خلفها
وأعيشه نبضة نبضة أم لأنني أعيش في مجتمع يدق ناقوس
الأمل ليل نهار في زحام العمر بينما يودعه الأمل بغير رجوع ..
أبدعت أستاذ عدي وأرى حرفي وعجزي يختصمان فيك
فَ عذرًا على التقصير

القدير أيام

ينال منَا المرض، وتأخذنا تصاريف الحياة، فعذراً لتاخري في الرد على تعقيبك أيها الكريم أصل ..

حقيقةً هو من النصوص التي اعتمدت على الاسقاطات بين حياة الشخصية، وتلك الأسئلة ..
حاولت مع كل سؤالٍ أن أسلط الضوء على حياة هذه الشخصية، من خلال هذه الاسقاطات.
وصولاً للسؤال الخامس، الذي وصل للذروة / العقدة
حين يغامر الإنسان للحد الذي لا رجوع بعده، فإما الخلاص أو الفناء ..
الحياة ومفارقاتها، الظروف التي لا ترحم المطحونين من قسوتها ..


تعقيبك أخي الكريم هو امرٌ أصبحت أنتظره في كل قصصي، وهذه ليست مجاملة، فأنت قارىء يعرف كيف يقرأ النصوص جيداً، وهذه ميزة حباك الله بها .. وأشهد
شكراً لجميل كلماتك، ووقتك الثمين الذي قضيته في رحاب ( السؤال الخامس )

لك التحية والمحبة