تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : النادل ( قصة قصيرة )


عدي بلال
06-07-2019, 09:41 PM
( النادل )

( افق يا ولدي، سوف تتأخر عن عملك، فنجان قهوتك بجانبك، أنسيت بأنك نادل محترف كما يصفك دائماً مديرك ..؟!، قم يا ولدي، الله يرضى عليك ).
يستل رأسه من تحت الوسادةِ في كسل، ويسترق النظر في تثاقلٍ إلى الساعة المعلقة على حائط غرفته، يبتسم في سخريةٍ حين تعثر بصره في حسرةٍ ببروازٍ لشهادة هندسةٍ، تُشيرُ إلى أنه قد أنهى دراسته بتفوقٍ قبل سنواتٍ خمس.
يجلس على طرف السرير، يشعل سيجارته، ويحك رأسه في فوضويةٍ، ويتمتم بعباراتٍ ساخطةٍ على الدنيا بأسرها.
الساعة تقترب من السادسةِ مساءً، وحافلة الموظفين تنتظره منذ دقائق عشر، يقبل رأس أمهِ، ودعواتها تلاحقه كعادتها كل يوم.
عند وصول المطعم، يغلق باب الحافلة، ويخطو إلى الداخلِ في همة كعادته، بيد أن يد ( عاصم )، زميله في العمل، تناولته لحظة ولوجه، واتخذا من جانب المطعم مكاناً قصيا.
( بعد قليل، ستأتي شخصية مهمة، ومعه ابنته، هكذا سمعت المدير متحدثاً عبر الهاتف مع أحدهم، ويريد منك أن تشرف على طاولتهما، كان الله في عونك .. أتعلم ..!
سرعتك ومهارتك هما السبب، تَلقى نصيبك يا صاحبي )
يتجه ( حسان ) إلى صالة المطعم، غير مبالٍ بكلمات زميله، ويعيد ترتيب الطاولات بنفسه، ويتأكد من ترتيب الصالة، ونظافة المرايا المنتشرة بطريقةٍ هندسية.
يعاجله المدير بابتسامة الثقة في خبرته وطريقة تعامله مع الشخصيات الهامة.
يدلف من الباب رجلٌ تتجسد فيه البرجوازية، وبدلته الرمادية، ورأسه الخالي من الشعر إلاّ قليلا، يتأبط فتاة عشرينية، زادها فستانها الارجواني، وانسدال شعرها على كتفيها فتنةً وأناقة.
يستقبلهما المدير بترحابٍ مبالغ فيه على الباب، ويرمق ( حسان ) أن تقدم إلى هنا، ففعل.
طاولةٌ مستديرةٌ، وشمعةٌ قد توسطتها، وعازفٌ للبيانو وقف وانحنى في لباقةٍ لهما، وبحركةٍ تنم عن خبرةٍ، سحب الكرسي للعشرينية ..
( تفضلي )
ليعيد الكرة نفسها مع البرجوازي، ويقدم لهما قائمة الطعام، ويرجع للخلف خطواتٍ ثلاث.
النظر إلى عينيها يحتاج إلى شجاعة محاربٍ، خاض غمار حربٍ دونما استعداد، وأحلام اليقظة التي ما انفكت والدته تعاتبه عليها، تطفو إلى عينيه ووجهها الملائكي، يتهامسان، يبتسمان، يقهقهان، ولا يدري عن الأمر سببا.
يتقدم إلى الطاولة في لباقةٍ وإنصات..
( عصير طازج- وأشار إلى ابنته في تحببٍ - وزجاجة جهة باردة لي، ولحم مشوي، ومقبلات .. بسرعة لو سمحت )
( حاضر )
تناول من يده قائمة الطعام، بعد أن سجل طلباته، ودون أن ينبس ببنت شفة، واكتفى بابتسامته المعهودة، ومضى.

الوقوف عند هذه الزاوية، يتيح للنادلين مراقبة الجميع من خلال المرايا دون أن يلاحظهم أحد، ولا يزال يراقب حركاتها، و( عاصم ) منهمك في تحضير الطلبات.
أتاه بعد برهةٍ صوت صاحبه، يعيده من شروده ..
( ما رأيك أن تنسى ما تفكر به يا حسان، صدقني هؤلاء القوم لا يروننا أبداً، نحن فقط أشباه أطيافٍ في عيونهم .. افق يا صاحبي ).
لم يبالِ بكلامه وتناول الطلبات من يده، وتقدم نحو الطاولة بهدوءٍ، وبحركاتٍ استعراضيةٍ تنم عن خبرةٍ، فرش حمولته على الطاولة، فابتسمت لمهارته، وبادلها الابتسامة.
يرجع إلى زاويتهِ، ويجهل سر تعلقه بابتسامتها، يشعر للحظاتٍ بأنها تبحث بعينيها عنه، أو هكذا خُيل إليه.
يعود صوت صاحبه إليه مرةً أخرى ..
( صدقني لن يحدث أي شيء في مخيلتك، ربما يمنحك أبوها بقشيش جيد ).
يُصر أن يتجرأ للمرة الأولى في حياتهِ، ويراقب حركاتها من بعيدٍ في افتتان فاضح، وعقارب الساعةٍ تسابق الزمن دون أن يجد طريقةً لمحادثتها.
يشير البرجوازي بيده إلى ( حسان )، يبتسم له، ويضع الفاتورة في حافظةٍ جلدية أنيقة، يتقدم نحوهما، والأفكار في رأسه تتسابق.
( تفضل يا سيدي )
يتناول البرجوازي الحافظة، ويدس بداخلها فئة نقدية ذات صفرين يسبقهما خمسة، ويلتفت إلى ابنته..
( هل تريدين شيئاً آخر ..؟ )
تكتفي بابتسامة، وترفع رأسها إلى النادل، وتطلب منه ورقةً وقلم، يتناول الحافظة من يده، ويسرع الخطوات إلى ( عاصم ) في سعادةٍ وأمل.
( أريد ورقةً وقلم بسرعة، أشعر بأنها ستعطيني رقم هاتفها، بل أنا متأكدٌ بأنني قرات في عينيها حديث الغرام .. بسرعة يا رجل )
( امسك .. أنت وشأنك )
( دعني وشأني إذاً )
تقدم نحوها في لباقةٍ، ومد لها يده بما طلبت.
( ما اسمك )
( حسان )
( شكراً لك يا حسان )
ابتسم لها وانصرف متشاغلاً بترتيب الطاولات، وعيناه تسترقان النظر إليها بين الفينة والأخرى
ولمّا هما بالانصراف، رافق مدير المطعم البرجوازي، ينشُد لديه الرضا عن المكان والطعام، تاركاً إياها تدون ملاحظة أو رقماً، ليس يدري.
يشير إليها والدها بيده، فتحمل حقيبتها وتدس الورقة بداخلها، وتضع القلم على الطاولة، وتمضي نحو والدها ومدير المطعم، ونظرات ( عاصم ) تراقبه في المرآة في حسرةٍ عليه، و( حسان ) ينحسر، ويرتب أدوات الطعام على الطاولة دونما تركيز.
تتأبط يد والدها، وتُسِرُ في مسمعه ببضع كلماتٍ، فيسبقها إلى الخارج، ويتركها تحادث مدير المطعم في ودٍ ورضا.
( يا حسان، تعال لو سمحت، الآنسة تريد الحديث معك )
ثم إن المدير انصرف في تأدب.
يشعر بأن السماء استجابت لدعواته أخيراً، ويتقدم نحوها في ابتسامٍ، وعيناه لا تفارق عينيها أبدا.
( حين سألت عنك المدير، أخبرني بأنك محترف منذ فترة )
تمد يدها في باطن حقيبتها، وتخرج ورقةً نقدية، تُشبه التي رآها في الحافظة الجلدية إلاّ صفراً، وتدسها في يده، وتغيب عن العيون في لحظات.
يُقلب الورقة النقدية باطنها وظاهرها، وينظر إلى ( عاصم ) من خلال المرآة، ويُقفلُ راجعاً نحوه، يدسها في يده، ويخلع إزار النادل في هدوءٍ، وينصرف حتى يبتلعه الظلام.

تمت


إهداء: إلى القدير هل كان حباً، مع التحية

أيام
06-07-2019, 09:55 PM
عشرة أحلام مروا أمامه في لحظات مرت كالدهر
عليه وعشرة أمنيات تراصوا وتسلقوا الظروف
وفي ثوانٍ معدودات جاءت لتكسر خاطره
كسرًا يليق بمكانتها
حقًا عندما لا تكون لدينا الامكانيات نُتعس
قلم بارع وحرف مثقل بالاحساس
دمت متألق أستاذ المعنى الجميل عدي بلال

سارة المصرية
06-07-2019, 10:02 PM
انا قرأتها من قبل
وللأسف هذا واقع الكثير
من الشباب شهادات ماهي إلا براويز
معلقه ع الحائط أحسنت أستاذي

lonely heart
06-07-2019, 10:49 PM
هالقصة بتحاكي واقع كتير من شبابنا
يلي حصلوا ع شهادات جامعيه وكان مصيرهم العمل بغير تخصصهم
وبوظيفته مختلفا تماما عن يلي درسوه
اسلوبك بالكتابة سلس وممتع ومشوق
ابدعت عدي
يسلمو دياتك

الصياد
06-07-2019, 10:51 PM
هي القصة جميلة وتفاصيلها مرتبة وحلوة
بس قصة الحُب فيها بتشبه الافلام من نظرة وحدة ..
يعطيك العافية لادراجك ..

هاوي القدس
06-07-2019, 10:53 PM
لست هاوي القصص
لكن هاذه استقتبني وخلتني اكملها للاخر
الارادة موجودة تنقسها الامكانيات
رائعة حقا احييك بلال.

هل كان حباً
06-08-2019, 02:24 AM
ربما كان على حسان ألا يترك نفسه لخياله ولأحلام اليقظة
فشتان ما بين شاب طحنته رحى الظروف
وأصبح كل ما يملكه هي ورقة معلقة على طرف الحائط لا تسمن ولا تغني من جوع
وبين مدللة أكثر ما يزعجها الحيرة في انتقاء ماذا ستلبس أو إختيار أي الأماكن ستذهب

بارعٌ انتَ في وصفك وفي اسلوب التشويق الذى يجذبنا في كل سطر من سطور القصة
ابدعت فعلاً وراقت لي كثيراً

واشكرك من الأعماق على الإهداء وعلى رُقيك واناقة اسلوبك

دمت بخير

m0m3n
06-08-2019, 09:21 AM
ابدعت
كل الشكر لك علي الطرح
تقديري

عدي بلال
06-08-2019, 12:55 PM
عشرة أحلام مروا أمامه في لحظات مرت كالدهر
عليه وعشرة أمنيات تراصوا وتسلقوا الظروف
وفي ثوانٍ معدودات جاءت لتكسر خاطره
كسرًا يليق بمكانتها
حقًا عندما لا تكون لدينا الامكانيات نُتعس
قلم بارع وحرف مثقل بالاحساس
دمت متألق أستاذ المعنى الجميل عدي بلال

القدير أيام

سعيدٌ بتفاعلك مع النص أخي ..
شكراً لوقتك وكلماتك الطيبة

امتناني وتحيتي

عدي بلال
06-08-2019, 12:57 PM
انا قرأتها من قبل
وللأسف هذا واقع الكثير
من الشباب شهادات ماهي إلا براويز
معلقه ع الحائط أحسنت أستاذي

القديرة سارة المصرية

سعيدٌ بتواجدكِ ورأيكِ الجميل في هذه القصة
وممتنٌ لكلماتكِ الطيبة أيتها الكريمة أصلها

لكِ من الود وافره

عدي بلال
06-08-2019, 01:05 PM
هالقصة بتحاكي واقع كتير من شبابنا
يلي حصلوا ع شهادات جامعيه وكان مصيرهم العمل بغير تخصصهم
وبوظيفته مختلفا تماما عن يلي درسوه
اسلوبك بالكتابة سلس وممتع ومشوق
ابدعت عدي
يسلمو دياتك

القديرة لونلي هارت

قد أصبتِ عين الحقيقة هنا، فهذه هي الإشكالية التي بُني عليها النص.
كان لكل شخصية في هذا النص طريقته في التعامل مع واقعه، وبين ( حسان ) و ( عاصم ) أحلام يقظة وتقبل واقع مرير.
أ. لونلي
شكراً لدعمكِ ومتابعتكِ لنصوصي منذ اللحظة الأولى، ممتنٌ لكِ طيب كلماتك.

لكِ من الود وافره

عدي بلال
06-08-2019, 02:47 PM
هي القصة جميلة وتفاصيلها مرتبة وحلوة
بس قصة الحُب فيها بتشبه الافلام من نظرة وحدة ..
يعطيك العافية لادراجك ..

القدير الصياد

سرني إذ نالت القصة جميل ذائقتك، بتفاصيلها.
القصة تطرح إشكالية الشباب ومشكلة البطالة، وقد رأت الشخصية ( حسان ) البارع في كل شيء، الهندسة/ دقة عمله " النادل " ، رأت هذه الشخصية الخلاص
في توهم قصة الحب مع الشخصية ( الابنة )/ رفض الواقع.
نقيض الشخصية ( عاصم ) ، التي تتقبل الواقع ، على أمل أن يتغير يوماً ما .

لو أن القاص هنا، توج هذا الوهم بزواج أو حب متبادل من أول نظرة، فإن مشرط النقاد سوف يمزقه دون رحمة.

عافاك الله أخي الصياد
وممتنٌ لوقتك، وتفاعلك مع النص
كن بالقرب دائماً ..


لا حرمك الله البهاء

عدي بلال
06-09-2019, 03:09 PM
لست هاوي القصص
لكن هاذه استقتبني وخلتني اكملها للاخر
الارادة موجودة تنقسها الامكانيات
رائعة حقا احييك بلال.

القدير هاوي القدس

سأجعلك مدمناً على القصص القصيرة والقصيرة جداً مستقبلاً .. إن شاء الله أيها الجزائري الفلسطيني.
سعيدٌ إذ حصد هذا النص استحسانك، وأتشرف بوجودك دائماً وأبداً ..

" رحم الله جدي " بلال " فهو من أسماني " عدي " :kj6:

التحايا أزكاها

عدي بلال
06-09-2019, 03:18 PM
ربما كان على حسان ألا يترك نفسه لخياله ولأحلام اليقظة
فشتان ما بين شاب طحنته رحى الظروف
وأصبح كل ما يملكه هي ورقة معلقة على طرف الحائط لا تسمن ولا تغني من جوع
وبين مدللة أكثر ما يزعجها الحيرة في انتقاء ماذا ستلبس أو إختيار أي الأماكن ستذهب

بارعٌ انتَ في وصفك وفي اسلوب التشويق الذى يجذبنا في كل سطر من سطور القصة
ابدعت فعلاً وراقت لي كثيراً

واشكرك من الأعماق على الإهداء وعلى رُقيك واناقة اسلوبك

دمت بخير

القدير ( هل كان حبا )

صدقت ..
كان على الشخصية ( حسان ) أن يُبقي على يقينه بأن الفرج وإن طال سوف يأتي بعد الصبر ..
وخصوصاً بأنه متقنٌ لعمله البديل ( النادل ) ومن قبله ( تفوق في الهندسة )

لكن النفس تمل، وتصاب بالإحباط، فقاده إلى ما لا يحمد عقباه ( الخيبة ) .

سرني أخي أنها قد نالت استحسانك، وممتنٌ لك كلماتك الطيبة ..
ويسعدني أن أهديتك هذا النص ..

تقديري وامتناني

عدي بلال
06-09-2019, 03:22 PM
ابدعت
كل الشكر لك علي الطرح
تقديري

القدير قلب فلسطيني

ممتنٌ لك تواجدك وتقيبك

تحاياي

الامير
06-29-2019, 11:41 AM
كل الشكر و التقدير

عدي بلال
06-29-2019, 12:32 PM
كل الشكر و التقدير

أخي القدير والعزيز الأمير

بدايةً أشكرك على تواجد اسمك في متصفحي، ولكن أخي

بين ردك على هذا الموضوع ، والرد على موضوع آخر في قسم آخر ( دقيقتين ) ، وهذا يعني بأنك لم تقرأ قصة النادل .

لست من هواة الأختام أخي الأمير، وإن كانت تحمل ( كل الشكر والتقدير )
حين يكون لديك الوقت الكافي لتقرأ مواضيعي، وتعقب عليها .. فأهلاً وسهلاً بك .

كل التحية والتقدير والاحترام لك .