m0m3n
07-31-2016, 10:35 PM
حينما كنا نطوف بالكعبة في زحام من ألوف مؤلَفة كان صديقي يلهث مختنقًا، وكل ما يخطر له بالمناسبة هو تخيله لو كانت هذه الكعبة في أوروبا .. في برلين مثلًا .. إذاً لاختلف الأمر ولطاف حولها الأوروبيون في طوابير منظمة لا يُزحِم فيهم الواحد الآخر .
بينما كنت أنا أنظر إلى الألوف المؤلَفة التي تدور كالذرات البيضاء وأرى فيهم المالين بلا هويّة ممن حجوا وطافوا وعاشوا وماتوا .. أرى فيهم أبي وأمي .. كانوا هنا يطوفون منذ سنوات في هذا الزحام نفسه .. ومن قبلهم جدي الذي جاء إلى هنا على ظهور الإبل .. ثم الأجداد .. وأجداد الأجداد من قبل .. إلى أيام النبي الذي خرج من مكة مهاجرًا وعاد إليها فاتحًا ..
كنت أنظر في الجموع الحاشدة من منظور تاريخي .. وفي خناق الزحام نسيت نفسي تمامًا وفقدت هويتي ولم أعد أعرف من أنا .....
هأنذا قد مت أنا الآخر .. وهذا ابني يطوف ويَذكُرني وهو يطوف ثم يموت ذات يوم ويصبح هو الآخر ذكرى ..
كانت لحظة روحية شديدة التوهج .. فقدت فيها إحساسي بذاتي تمامًا وغبت عن نفسي وامتلأت إدراكًا بأنه لا أحد موجود حقًا سوى اللــّــه ..
وتذكرت السطر الأول من قصة الخَلق .. في البدء كان الله ولا شيء معه .. وفي الختام يكون الله ولا شيء بعده .. هو الأول والآخر . هو .. نعم .. هو ولا سواه .
د.مصطفى محمود
رحمه الله ..
من كتاب " الطريق إلى الكعبة "
بينما كنت أنا أنظر إلى الألوف المؤلَفة التي تدور كالذرات البيضاء وأرى فيهم المالين بلا هويّة ممن حجوا وطافوا وعاشوا وماتوا .. أرى فيهم أبي وأمي .. كانوا هنا يطوفون منذ سنوات في هذا الزحام نفسه .. ومن قبلهم جدي الذي جاء إلى هنا على ظهور الإبل .. ثم الأجداد .. وأجداد الأجداد من قبل .. إلى أيام النبي الذي خرج من مكة مهاجرًا وعاد إليها فاتحًا ..
كنت أنظر في الجموع الحاشدة من منظور تاريخي .. وفي خناق الزحام نسيت نفسي تمامًا وفقدت هويتي ولم أعد أعرف من أنا .....
هأنذا قد مت أنا الآخر .. وهذا ابني يطوف ويَذكُرني وهو يطوف ثم يموت ذات يوم ويصبح هو الآخر ذكرى ..
كانت لحظة روحية شديدة التوهج .. فقدت فيها إحساسي بذاتي تمامًا وغبت عن نفسي وامتلأت إدراكًا بأنه لا أحد موجود حقًا سوى اللــّــه ..
وتذكرت السطر الأول من قصة الخَلق .. في البدء كان الله ولا شيء معه .. وفي الختام يكون الله ولا شيء بعده .. هو الأول والآخر . هو .. نعم .. هو ولا سواه .
د.مصطفى محمود
رحمه الله ..
من كتاب " الطريق إلى الكعبة "