m0m3n
07-10-2017, 04:26 PM
بقلم والدي
على مدى التاريخ كانت سيناء مصدرا للمشاكل الأمنية لمصر ، وتنوعت تلك المشاكل قوة أو ضعفا تبعا لتنوع مصادر الخطر في سيناء ، وفي جوارها الشمالي الشرقي ، وفي حالة مصر ذاتها . وأكبر تجسيد لهذه الظاهرة التاريخية المتصلة أن إسرائيل ، الدولة المتطفلة على جغرافية المنطقة وتاريخها ، والحديثة السن ، احتلت سيناء مرتين : في 1956 ، وفي 1967 ، مع صرفنا النظر عن اندفاع قواتها داخلها في حرب 1948 ، واضطراها تاليا للانسحاب بعد قصف طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني لها انطلاقا من القاعدة البريطانية في منطقة السويس . وتأتي صدمة مقتل وجرح 56 عسكريا مصريا فجر الجمعة الماضية في السابع من الشهر الحالي في رفح ، شمالي سيناء ، ذروة جديدة في مأزق مصر الأمني في سيناء والذي بدأ بسلسلة تفجيرات متزامنة في 7 أكتوبر / تشرين الأول 2004 أشدها الهجوم على فندق طابا هيلتون بسيارة مفخخة قتل وجرح فيه العشرات من المصريين والإسرائيليين وغيرهم من الجنسيات الأخرى . واعترف “تنظيم الدولة الإسلامية ” الممثل في ” ولاية سيناء ” بمسئوليته عن هجوم فجر الجمعة ، ونقل عن الرواية المصرية الرسمية أن الجيش قتل 40 مسلحا من المهاجمين . وهكذا في غالب ما يحدث : يُقتَل ويجرح منه ، ويَقتُل ويجرح منهم ، ويستمر المأزق الأمني ، ويشتد قوة وتعقيدا وغرابة محيرة . فما أسبابه في واقعه الحالي ؟!
بعض الأسباب :
أولا : انفصال سيناء الجغرافي عن العمق المصري بقناة السويس ، وانفصال أهلها النفسي والاجتماعي والتنموي عن وطنهم الأم . الإعلام المصري يسميهم ” العرب ” و ” الأعراب ” و ” البدو ” ، ويهيج الريب حول صدق ولائهم لمصر . وتنمويا ، تنقصهم الخدمات الأساسية الضرورية لأي حياة إنسانية ولو بمعايير عادية ، مثل المساكن المناسبة ومصادر المياه والمرافق الصحية والمدارس والطرق ، وبعض وسائل عيشهم تنتمي لعصور قديمة . ويقال بحق إنهم الوحيدون في العالم الذين لم تظهر عليهم آثار نعمة النفط الذي توجد منه عدة آبار في جنوبي سيناء . وضاعفت أحداث الاقتتال بين الجيش والمسلحين من مأساوية عيشهم ومشقته . الجيش لا يفرق في أحيان كثيرة ، حتى لا نقول دائما ، في قصف منازلهم بين مذنب وبريء ، وفاقمت تلك العشوائية في القصف والعقاب من نقمتهم وغضبهم عليه وعلى الدولة المصرية ، ودفعت مزيدا منهم إلى الانضمام للمسلحين . بعد عملية فندق طابا هيلتون قبضت أجهزة الأمن المصرية على 3000 شخص ، وفصل الموظفون منهم من وعملهم قبل التحقيق معهم !
وتطول حكاية إهمال تنمية سيناء ، ومن مشكلاته أنه يتصل بنوعية الاتفاق الأمني مع إسرائيل . ويلمح إلى وجود بنود سرية في الاتفاق تمنع مصر من تنمية سيناء خاصة شماليها الذي تقع فيه الاشتباكات بين الجيش والشرطة والمسلحين . ونستدعي في هذا المقام ما وقع في مؤتمر دولي للسياحة انعقد في دولة أوروبية في ثمانينات القرن الماضي . في ذلك المؤتمر تحدث وزير السياحة المصري عن نية بلاده التوسع في المشروعات السياحية في سيناء ، فتصدى له وزير السياحة الإسرائيلي يومئذ موشيه كاتساف ، وهدد بضرب إسرائيل تلك المشاريع إذا أقيمت .
ثانيا : ما يحدث في سيناء جزء من منظومة الزعازع والاضطرابات المتفجرة في العالم العربي . مخطط هذه الزعازع والاضطرابات يقضي بأن تصاب بها كل الدول العربية وفق ما توفره ظروف كل دولة ، والمستهدف هو الوطن كله .
ثالثا : أطماع إسرائيل في سيناء ليست محل برهنة . سيناء جزء من مشروع إسرائيل الكبرى ، وحين رفض مستوطنوها الانسحاب منها بمقتضى اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل طمأنهم بيجن رئيس الوزراء بأن انسحابهم مؤقت ، وأن الإسرائيليين عائدون إليها مستقبلا . ومن هذا طمعه في سيناء سيكون حريصا حرصا صادقا على زعزعة أحوالها وخلخلة السيادة المصرية فيها .
رابعا : غزة رافد اقتصادي واجتماعي لأهل سيناء ، ويتداخل نسب العشائر والعوائل بين المنطقتين تداخلا قد لا نجده داخل البلد الواحد ، وانتعشت أحوال بعض أهل سيناء زمن تجارة الأنفاق انتعاشا نقلهم من حال الفقر إلى حال اليسر وربما ما هو فوق اليسر ، وكانت الاعتداءات على الجيش والشرطة نادرة شمالي سيناء ، بل معدومة . مصر لم تقرأ حقيقة العلاقة الاجتماعية والاقتصادية بين غزة وسيناء ولو بأقل معدل من الفهم، والصحيح أنها لم تنتبه لها ، وهذا أمر غريب ومحبط . كل ما رأته في تلك العلاقة أنها مشكلة أمنية ، وحتى في هذه الرؤية المخطئة عالجت أبعادها بفجاجة وسطحية شابهما تضليل كبير بأن غزة تسهم في دعم مسلحي سيناء . مأزق مصر الأمني الحالي في سيناء فاجأ الكثيرين بتواصله منذ أن كثف الجيش تصديه للمسلحين في أغسطس / آب 2013 ، وفاجأهم أكثر عجزها عن الخروج منه في السنوات الأربع الماضية ، وستكون المصائب عليها أكبر إذا تواصل هذا العج
نقلاً عن
الرأي اليوم
على مدى التاريخ كانت سيناء مصدرا للمشاكل الأمنية لمصر ، وتنوعت تلك المشاكل قوة أو ضعفا تبعا لتنوع مصادر الخطر في سيناء ، وفي جوارها الشمالي الشرقي ، وفي حالة مصر ذاتها . وأكبر تجسيد لهذه الظاهرة التاريخية المتصلة أن إسرائيل ، الدولة المتطفلة على جغرافية المنطقة وتاريخها ، والحديثة السن ، احتلت سيناء مرتين : في 1956 ، وفي 1967 ، مع صرفنا النظر عن اندفاع قواتها داخلها في حرب 1948 ، واضطراها تاليا للانسحاب بعد قصف طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني لها انطلاقا من القاعدة البريطانية في منطقة السويس . وتأتي صدمة مقتل وجرح 56 عسكريا مصريا فجر الجمعة الماضية في السابع من الشهر الحالي في رفح ، شمالي سيناء ، ذروة جديدة في مأزق مصر الأمني في سيناء والذي بدأ بسلسلة تفجيرات متزامنة في 7 أكتوبر / تشرين الأول 2004 أشدها الهجوم على فندق طابا هيلتون بسيارة مفخخة قتل وجرح فيه العشرات من المصريين والإسرائيليين وغيرهم من الجنسيات الأخرى . واعترف “تنظيم الدولة الإسلامية ” الممثل في ” ولاية سيناء ” بمسئوليته عن هجوم فجر الجمعة ، ونقل عن الرواية المصرية الرسمية أن الجيش قتل 40 مسلحا من المهاجمين . وهكذا في غالب ما يحدث : يُقتَل ويجرح منه ، ويَقتُل ويجرح منهم ، ويستمر المأزق الأمني ، ويشتد قوة وتعقيدا وغرابة محيرة . فما أسبابه في واقعه الحالي ؟!
بعض الأسباب :
أولا : انفصال سيناء الجغرافي عن العمق المصري بقناة السويس ، وانفصال أهلها النفسي والاجتماعي والتنموي عن وطنهم الأم . الإعلام المصري يسميهم ” العرب ” و ” الأعراب ” و ” البدو ” ، ويهيج الريب حول صدق ولائهم لمصر . وتنمويا ، تنقصهم الخدمات الأساسية الضرورية لأي حياة إنسانية ولو بمعايير عادية ، مثل المساكن المناسبة ومصادر المياه والمرافق الصحية والمدارس والطرق ، وبعض وسائل عيشهم تنتمي لعصور قديمة . ويقال بحق إنهم الوحيدون في العالم الذين لم تظهر عليهم آثار نعمة النفط الذي توجد منه عدة آبار في جنوبي سيناء . وضاعفت أحداث الاقتتال بين الجيش والمسلحين من مأساوية عيشهم ومشقته . الجيش لا يفرق في أحيان كثيرة ، حتى لا نقول دائما ، في قصف منازلهم بين مذنب وبريء ، وفاقمت تلك العشوائية في القصف والعقاب من نقمتهم وغضبهم عليه وعلى الدولة المصرية ، ودفعت مزيدا منهم إلى الانضمام للمسلحين . بعد عملية فندق طابا هيلتون قبضت أجهزة الأمن المصرية على 3000 شخص ، وفصل الموظفون منهم من وعملهم قبل التحقيق معهم !
وتطول حكاية إهمال تنمية سيناء ، ومن مشكلاته أنه يتصل بنوعية الاتفاق الأمني مع إسرائيل . ويلمح إلى وجود بنود سرية في الاتفاق تمنع مصر من تنمية سيناء خاصة شماليها الذي تقع فيه الاشتباكات بين الجيش والشرطة والمسلحين . ونستدعي في هذا المقام ما وقع في مؤتمر دولي للسياحة انعقد في دولة أوروبية في ثمانينات القرن الماضي . في ذلك المؤتمر تحدث وزير السياحة المصري عن نية بلاده التوسع في المشروعات السياحية في سيناء ، فتصدى له وزير السياحة الإسرائيلي يومئذ موشيه كاتساف ، وهدد بضرب إسرائيل تلك المشاريع إذا أقيمت .
ثانيا : ما يحدث في سيناء جزء من منظومة الزعازع والاضطرابات المتفجرة في العالم العربي . مخطط هذه الزعازع والاضطرابات يقضي بأن تصاب بها كل الدول العربية وفق ما توفره ظروف كل دولة ، والمستهدف هو الوطن كله .
ثالثا : أطماع إسرائيل في سيناء ليست محل برهنة . سيناء جزء من مشروع إسرائيل الكبرى ، وحين رفض مستوطنوها الانسحاب منها بمقتضى اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل طمأنهم بيجن رئيس الوزراء بأن انسحابهم مؤقت ، وأن الإسرائيليين عائدون إليها مستقبلا . ومن هذا طمعه في سيناء سيكون حريصا حرصا صادقا على زعزعة أحوالها وخلخلة السيادة المصرية فيها .
رابعا : غزة رافد اقتصادي واجتماعي لأهل سيناء ، ويتداخل نسب العشائر والعوائل بين المنطقتين تداخلا قد لا نجده داخل البلد الواحد ، وانتعشت أحوال بعض أهل سيناء زمن تجارة الأنفاق انتعاشا نقلهم من حال الفقر إلى حال اليسر وربما ما هو فوق اليسر ، وكانت الاعتداءات على الجيش والشرطة نادرة شمالي سيناء ، بل معدومة . مصر لم تقرأ حقيقة العلاقة الاجتماعية والاقتصادية بين غزة وسيناء ولو بأقل معدل من الفهم، والصحيح أنها لم تنتبه لها ، وهذا أمر غريب ومحبط . كل ما رأته في تلك العلاقة أنها مشكلة أمنية ، وحتى في هذه الرؤية المخطئة عالجت أبعادها بفجاجة وسطحية شابهما تضليل كبير بأن غزة تسهم في دعم مسلحي سيناء . مأزق مصر الأمني الحالي في سيناء فاجأ الكثيرين بتواصله منذ أن كثف الجيش تصديه للمسلحين في أغسطس / آب 2013 ، وفاجأهم أكثر عجزها عن الخروج منه في السنوات الأربع الماضية ، وستكون المصائب عليها أكبر إذا تواصل هذا العج
نقلاً عن
الرأي اليوم