ربتت على كتفي في غفلة منّي ، كملاك تحمل جناحين من رماد ..اقتربت كما تقترب الفراشات من اللهب :
- مالذي يجعل فتى مثلك وحيداً .؟
- من أنتِ بحق رب الجمال .؟
- أنا الآلهة التي لا تموت .!
اختفت كما تختفي الملائكة ، رفت بجناحيها كما تريد أن تحتوي وحيداً لكنها حلقت بعيداً حتى أفِلت !
- أني لا أحبُ الآفلين .
فجأة خرجت من بين خيوط الظلام امرأة تبدو ملامحها رومانية ، جميلة حدّ البذخ ..تسير وخطواتها إيقاع نشيد يعتلي سلم جسد جائع .
خرجت من الظلام كرائحة الضوء حين ينبثق من الأرض محتفياً بقدوم أنثى غارقة في الشهوة..سألتها من أنتِ ؟
ابتسمت وقد تحوّل صيفي إلى أغنية ..لم أعبأ بها .
كررت السؤال ..
فقالت أنا فينوس .
ابتسمت لها كقارورة تعي معنى ابتسامة رجل وحيد ، وأدرت ظهري معلناً تمردي على الغواية .
لم أمشي طويلاً حتى خرجت لي مائدة من الأرض ، مرصوفة بطريقة بابلية أنيقة ، كالرغيف حين يشبع ، كالماء حين يروي ، سلة فواكه نزلت من سماء ، بل هي سماء تغطي بلحاف مفرود على كل البشر .
من أنتِ الأخرى ..؟
اقتربت وتركت السؤال نهبا للهواجيس ومضت تغزل الجمال في عتمة الإملاق العاطفي، على عجل تداركت مكيدتها ، وتنحيت جانباً منتظراُ في آخر السؤال!
قالت ويحك ..أنا عشتار .
انحنيت لها كما تشتهي أنثى أن تنحي قامة رجل أمامها ..ويممت وجهي غرباً.
في الغرب أشرقت أنثى يغتسل الليل في سواد عينيها ، لم اقترب منها ولم تقترب منّي ، لكن طعم كلامها كطعم الناي ، تتنفس الجاذبية رحيق وتشتعل لذة الأنوثة فيها .خرجت وكأنها تتوضأ من نبيذ الليل ، كفرس بريّة أصيلة.
قالت أشرقت من الغرب لأستوقفك عن الرحيل .
قلت لها من أنتِ ؟
قالت ألم تعرفني ..أنا افروديت .
لا قيمة لابتسامتي أمام هذا الجمال الكوني ، لذا آثرت أن لا أخدش جمالها بشيء ..والتفت إلى الغرب .
الغرب هو الجهة التي غربت فيها تلك الآلهة ، تلك الأنثى ، المرأة ، السيدة ، الفتاة ، الحورية ، الآنسة التي عندما تتأمل تفاصيلها تدرك تمام مدى كمال ورجاحة عقلك تجاه من يعاني من نقص في خياله حيال قدرة الخالق على هندسة مثل هذه الأجساد ..
فجأة عاودت الظهور ، حطت في وسط المكان ..كان نزولها مدوي كمطر غزير ، صوت هبوطها كرعد وسنا برقها حرق كل الوجود ..نظرت إلى عشتار وافروديت وفينوس رأيتهم رماد تذروه ريح عاصف هي رياح عطرها ، كيف لامرأة أن تكون آلهة بهذه الصفات ، كيف لأمراه أن يكون عطرها من نوع كاترينا ..أي إعصار اجتاحني ، أتأمل نفسي لم يمسني شيء .
بذهول رجل وحيد ..أهذا أنتِ ؟
قالت كيف رأيتني ياوحيد ؟
كل النساء أنتِ .
اختفت وجعلتني اسقط في ثقب الخضوع ، لم أعد قادر على الخروج من ضجة الفقد ، ولن استطع نسيان الحكاية .
تلك هي كل نساء الأرض .