10-25-2023
|
|
يوسف عمره ٧ سنين شعره كيرلي وأبيضاني وحلو
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يوسف عمره ٧ سنين شعره كيرلي وأبيضاني وحلو قصة حزينة ومؤثرة من حرب غزة
ماما أنا جعان يمّا ، بدّي آكل..
-متخافش حبيبي ، راح اعمل لك قلّاية بندورة..
خرجتُ إلى منزلِ أم محمود ، جارتي المؤقتة ،
بحثاً عن حبّتي طماطم لإسكاتِ جوع يوسف ،
حيثُ أوصيتهُ أن يغلقَ البابَ جيّدا ريثما أعود ،
فأبوه في المشفى يؤدي واجبه ولا أحد بوسعهِ أن يذهب غيري ،
ذهبتُ مسرعة ودعوتُ الله أن يحفظهُ لي..
على بابِ أم محمود طرقتُ عدّة مرّات لكن لم يجبْ أحد ،
فذهبت إلى منزلِ آل المقداد ، على الطرفِ الآخر من الشّارع ،
وكلّي أملٌ أن أجد حبّتي طماطم ليوسف ، حيثُ أكرهُ أن أبتعد عنه ،
لكنّ البيت لم يعد فيه شيءٌ يؤكل ، أيامُ الحرب السّبعة أصعبُ من كلّ شيء..
- كيفك يمّا ، وكيف أولادك ، انشالله ماوصلكم القصف؟
- والله منيحة ، زي ما بتشوفي ، الله يسترها علينا ياحجة..
ردّدتُ الجواب لأم مقداد وسألتها عن الطماطم ،
النّاسُ في الحربِ لا تملكُ ترفَ الأحاديث المطوّلة ،
حيثُ بوسعِ كلّ ثانيةٍ أن تكونَ الأخيرة ، أخذتُ الطّماطم وودّعتُ الحجة..
- ادعيلنا يا حجة ، والله الظروف صعبة زي ما بتشوفي،
مابدناش نطلع على الأونروا ، الوضع هناك كتير صعب زي مابيحكوا..
- الله يسترها عليكم وعلى النّاس ، كلّها أزمة وبتعدّي بعون الله..
ثمّ صوتُ انفجارٍ كبير...
كلُّ ما أذكرهُ أن سحابةً سوداء حجبت كلّ شيءٍ،
لقد أصبتُ بالصمم المؤقت بسبب قوّةِ الإنفجار ،
لكنّ شيئا واحداً كان يشغلُ بالي ، هل يوسف بخير أم لا ؟
ركضّتُ نحوَ الشّارع وأنا أصارعُ لأخذِ نفسٍ بسبب الأتربة والدّخان ،
زحامٌ كبير في مكان القصف ،
والكلّ يصرخ ويساعدُ المسعفين لأخذِ الضحايا ، وكأنها أهوالُ القيامة..
- ياجماعة شفتو يوسف؟ فيكم حدا شاف ولد صغير هون ؟
- يما والله ما بعرف ، المصابين راحوا على الشفا إلحقيهم هناك.
تذكرتُ أبو يوسف ، يعملُ هناك طبيبا ،
لم يعد للمنزلِ من بداية الحرب ، ركبتُ في سيارة الإسعاف للمشفى ،
كلُّ ما أذكرهُ آخر لحظةٍ قبل إغلاق باب السيارة ،
البابُ الذي اغلقتهُ على يوسفْ لم يعد موجودا ،
لقد كنتُ خائفة من أخطارِ الأرض بغريزة الأم الفطرية فأوصدتُ الباب ،
كيفَ لأم أن توصدَ الخطرَ القادم من السمّاء ؟
حتى الخوفُ في الحروبِ يصيرُ مختلفا..
في الطّابق الثاني من مجمّع الشفاء صادفتُ والده ،
ببدلتهِ الخضراء ، مرهقاً من أيامِ الحربِ ودوامِ العمل الذي لا يتوقّف ،
لقدْ وهب حياتهُ للنّاس تلبيةً للواجب..
يوسف يوسف..لم أنطق بأكثر من الإسم ،
لقد فهم سبب وجودي هنا ،النّاسُ لا يأتون للمشفى للتنزّه..
بدأت رحلةُ البحث عن يوسف "يوسف 7 سنين ، وأبيضاني وحلو "
هكذا كنتُ أكرّر الأمر على كل من أصادف ، طبيبا أو صحفيا أو مصابا ،
لا يهم ، كل ما أريدهُ هو معرفةُ مكان يوسفْ.
بعدَ عدّة أدوارٍ والبحث في عدّة غرف تعبت،
حاولتْ قدماي رفعي لكنّ خوفي كانَ أثقل ، فارتميتُ على أقرب مقعد..
بينما ذهبَ أبوه يبحث مرّت حياةُ يوسفَ أمام عيني ،
رزقتُ به بعد سنواتٍ من الزواج ، كان بمثابةِ النّعمة في حياتي ،
لكنّه كان جميلاً كالقمر ، فعوّض وجودهُ كلّ حرمان ، فسميّتهُ يوسف ،
ربّيتهُ وكنتُ أتنفسُ به ، كلّ يومٍ من حياتي كان سعادةً جديدة ،
وأنا أرى يوسف يكبرُ بين يديّ ، صار يوسفُ يلعبُ ويتكلم ،
وحانَ وقتُ دخولهِ للمدرسة هذه السنة، لقدْ كان ذلك صعباً علي ،
كيفَ سيكون بوسعي أن أفارقهُ لثمانِ ساعاتٍ كلّ يوم ،
انتظرته أمام البابِ كلّ يومْ ، استقبله بحضني وبقلاية البندورة التّي يحب..
اتركوني لوحدي ، سمعتُ أبو يوسف ينطقها بوجع ،
قفزتُ نحوه وأنا أصرخ يمكن مايكونش هوّ ،
لقد كنتُ أحاول ، لكنّه ولدهُ ويعرفه ،
لايخطئ الأب في توقّع مستقبل ابنه ،
فكيف بالتعرف على ملامحه..
عاطفةُ الأم أخبرتني ، لقد انتهى كلّ شيءْ ،
أردّتُ لحظة وداعٍ أخيرة لكنّهم منعوني ،
أرادوا منّي أن احتفظَ بصورته الجميلة في مخيلتي ،
يوسف الأبيضاني بشعره الكيرلي ، قبلَ أن تشوهه الصـ واريخ..
لا أعرفُ لمن أكتب ، لكنّ حزني كأمّ غيرُ قابلٍ للترجمة ،
فكيف أعبّر؟ كيفَ أشرح سنينَ صبري لقدومِ يوسف ،
لقد كان يوسف العطاء الذّي عوّض حرماني ، فمن يعوّض حرماني من يوسف ؟
لقد ربّيته بحبّ ، حرمتُ نفسي لأعطيه ،
وتحمّلتُ الألم والمعاناة ليعيشَ كطفلٍ طبيعي كأولادكم ،
أغلقتُ عليه الباب لأحميه ، فرحل هو والباب ،
كيفَ للأم أن تحمي إبنها في الحرب..
لقد انتظرتُ يوسف على الباب ليعود من المدرسة كلّ يوم ،
كيفَ لي أن أنتظر بعد الآن ويوسف لم يعد موجودا؟
لقد رحل يوسف وهو جائع
الله يرحمه ويصبر امه وأبوه على فراقه
وربي يرحم جميع الشهداء ويصبر اهلهم
تحيتي
ريمـــــــــــــــــــــــــــــــــــاااس
|