حقيقة مرضية وأبد .. !

حين قلت أمس :"الحياة تشبه الماتريوشكا، تلك البيضة التي تفتح وتكون هناك بيضة أخرى بداخلها، الكون ماتريوشكا لا نهائية من الحقائق
وكل هذا يقودُ إلى الفراغ، إلى اللاشيء المحتّم، الآن أعرف ما معنَى أننا لاشيء يذكر، الآن والآن فقط أستطيع أن أقول إنّ
الحياة مزحة ثقيلة، ويهشّمني شعور بقنطٍ لامجدي، أبكي للاشيء لأنه لا يوجد سببٌ أبكي لأجله لأنّ الحياة لاشيء أبدًا ..
بين حدّي الرّضا بمعرفة الحقيقة والنّدم على معرفتها تتآكلني رغبة "الكفّ عن كونِي قدْ وجدتُ حتّى"
اليوم تهولني حقيقة أن ليس هناك حقيقة ثابتة في الكون، في الحياة، كل شيءٍ يمرّ بفصولٍ لا نهائية من التغيير ومن ثمّ
إلى الفصلِ الأخير، إلى الفراغ ..
اليوم بإمكانِي أن أقول أشعرُ بتخمة وغثيان مبكرين من الحياة كلها وأدرك أن المعنى تجاوزَ قدرتي على التّحمّل
اليوم تخيفني الأبدية والموت والحياة والفراغ والعدم أكثر من أي وقتٍ مضى .. يخيفني الوجود كلّه لكنّي أوجدُ دائمًا .."
كنتُ اكتشفتُ حقيقة، لم أكتشفها بالمعنى، لقد قادتنِي إليها كثرة التفكير بأهمّية الحياة والوجود، وفجأة اصطدمتُ بهذه الحقيقة، 1 كل شيءٍ يمرّ بفصول التّغيير، 2 حتى الحقائق نكتشف ما يدحضها واحدة بعد الأخرى، 3 يعني لا حقيقة ثابتة في الكون والحياة كلها 4 هذا يعني لم تخلق الحياة لشيءٍ معيّن، يعني لا سبب لوجودِ الحياة سوى أنّها وجدت وانتهى الأمر .. لأنّه ليس بإمكانك أن تضع سببا ما لوجود وجودٍ بأكمله

***

لم توجد الحياة لشيء، وبنفس الوقتِ هي موجودةٌ لكلّ شيء، عبادة الله سبب وجود البشر والجنّ لكنّه ليس سبب وجود الوجود أو بإمكاني القول ليس سبب وجود الله ذاته
إنّ هذا هو الشيءُ الذي كنت أركض خلفه ربّما ليس لمدّة طويلة لكنّي أحسستُها سنواتٍ من التّفكير ، لكنّ الله أتقن الوجود طبعًا، حين جعل هناك سببًا ظاهري وهو عبادته
لأنّه وبدونه ما كانت لتكون هذه الحقيقة كاملة كنت لأموت الآن لعدم وجود شيءٍ مهمّ أستمرّ لأجله، أعتبر السّبب ظاهري لأنّ الله لا يحتاجُ أن نعبده، لكنّه وضعَه لكي يستمرّ البشر
أنا الآن أندهش من فكرتي السابقة عن الظاهر والسطحية والتي هي سطحية بذاتها، كم قلت أنّ الناس سطحيون وأنا أتمنى سطحيتهم، لقد سخطتُ على الأقدار لمجرّد أنها لم تمنحني الظاهر المترف
لكنّي الآن ولأنّ الظاهر ظاهر راضية عن ظاهري وقدره، لأنه لا يهمّني بتاتًا ..
اليوم يغلبُ شعور الرّضا على كلّ شيء، راضية الآن عن إثنا عشر عامًا لما أتجاوز فيها حدود قريتي، وعن أربع سنوات لما أتعدّى فيها الجدران الأربع لبيتِي، راضية الآن عن كل الأخطاء التي اتركبت
عن الأشخاص الذين صادفت، راضية عن كل خساراتي وهزائمي، راضية عن لحظات الحزنِ التي مرّت بي، عن اللّحظات التي أوذيتُ فيها، عن الأقدار التي خيّرت لي ولم تخيّر لشخصٍ آخر
ممتنّة اليوم لكل شيءٍ ساهمَ في صنعِ هذه اللحظة، اليوم أبتسمُ لثيابي التي لم تغادرني منذ سنتين، أبتسم للدّولاب المتهالك بجانبي، أبتسمُ لفوضى فناءِ البيت ، أبتسم لغضب أحدهم لسبب تافه، أبتسم لصراخِ أحدهم بوجهي، أنا أولد من جديد أكاد أقسم بذلك ، صرتُ أتأمل في الدقيقة ألف شيء، تمرّ عليّ الكلمات ممرّ الكرام وبنفس لا تمرّ كذلك، أتأمل فحواها، سببها، نفسية قائلها ، وأراها فجأة كفراغ نقيّ ،اليوم لا أشعر أنّي عشتُ حيواتِ النّاس وحسب بل ذهبتُ لأقصى ركن في الفضاء، لما وراء الوجودِ كلّه، أعرف اليوم أيضًا أن فراغ الظّاهر كان هو الحلّ، لأنه لو جعل الله الظاهر مهمًّا لكان الأغنياء عباده الصّالحون، بينما لا يستطيع الفقراء عبادته،
يغمرني الرّضا اليوم عن كلّ شيء وبكلّ شيء، كلّ ما أرغب به الآنليس صفرا ولا تغييرًا لجوّ ما، بل أن أعيش وحسب أتأمّل كل شيءٍ كنتُ أستعظمه من قبل، أكثر ما أدركه الآن أن الحقيقة ثراء وكم كنتُ سخيفة حين صدقتُ أنّنا نحتاج لنجوب العالم لكي نعرف الحقيقة وأدرك أنّ الحقيقة التي نتمنّى الموت بعدها أو التي تحزننا وتخيفنا حقيقة ناقصة أو ليست حقيقة البتّة، أشعر اليوم بصفاءٍ داخليّ لا مثيل له، يا الله لكم الحقيقة مريحة ..

/

بدّيش تحكوا كتابة حلوة، لأنه هاي مش خاطرة أو شعر أو نثر عادي، هوي نص، هلأ بكتبش عن شي خيالي، هي فعلاً حقيقة وصلتلها، بدّي ياكم تحكو لأي درجة لاقت هالحقيقة قابلية عندكم
شو هي الحلقة المفقودة والحلقة الي بدّها إصلاح .. مع كلّ الشّكر