حبيتك بالصيف " فيروزية "

حبيتك بالصيف " فيروزية "
قصة قصيرة

كانت ليلة شتاءٍ بارقٍ، يكاد سناه يضيء غرفتها، و" نسرين " تتدثر بغطائها على السرير.
منذ طفولتها وهي بنت المطر، هكذا أسمتها أمها، كلما أصرت على اللعب تحت زخاته.
تراقب الساعة في انتظار دقتها الواحدة بعد منتصف الليل، والخوف يخالط سعادتها المرتقبة .. معه.
أخبرها في مكالمته البارحة، بأن تلتقيه عند باب الجامعة الخلفي، حيث التقيا لأول مرة، قبل سنواتٍ خمس، وبأنه لن يتخلى عنها أبداً.. وصدقته.

صوت الرعد يقطع سرحانها، وتسمع خطوات أمها في الصالة، تطفىء الأنوار، وتحوقل من كلمات والدها المتذمر دائماً.

طائر الشوق ينقر خلف نافذتها، يذكرها باقتراب موعد الهروب مع من أحبه قلبها، وصدّقهُ احساسها، حين أقسم لها بأنه لن يرضخ لحكم والده النائب، ولن يترك هذه المدينة إلاّ برفقتها.
لم تشعر يوماً بأنها وإياه من طبقتين مختلفتين جداً، ولطالما نظم القصائد في مديح بيتها العتيق، وسحر عينيها.

ولما بسط الهدوء جناحيه على أرجاء البيت، تسللت من سريرها، ثم إنها ارتدت معطفها، وحملت حقيبتها الصغيرة، وبعينين باكيتين ودعت البيت، وأقفلت بابه بهدوء، وغادرت ..
بخطواتٍ سريعة، وفرحة طفولية، وخوف عميق، قفزت إلى داخل سيارة الأجرة، والمطر يزداد هطولاً على زجاج السائق الستيني.

عيناها معلقة على النافذة، تتساقط منها حبات المطر العالقة على معطفها، وتنفض عن شعرها الأسود كل أفكارها السيئة، وعواقب هروبها مع " شادي ".
نظر إليها السائق في تعجبٍ، حين طلبت منه التوقف على جادة الرصيف الغريق، الخالي من البشر..! وقال ( متأكدة هنا ..؟ )

على الرصيف امرأةٌ تنتظر حبيبها، وقصة عمرها، وثورة مشاعرها، وقرارها المصيري.
زخات المطر، والبرق، ودقات الساعة، تتوالى على عقلها، وقلبها، فتراقب الأفق، تنتظر أن ترى بارقة سيارته من بعيد.

شعرت بالبرد للمرة الأولى، حين رأت سيدة تحتمي تحت مظلة، تقترب منها رويداً رويدا، وتسلمها رسالة بيدها، وتمضي في صمتٍ، بخطوات سريعة، حتى تغيب عن سهم بصرها.

فتحت الرسالة، وقرأت " آسف يا نسرين،، فقد سافرت رغماً عني، لكن دعيني اوضح لكِ الامر .. أنا .. "
غرقت حروف الرسالة تحت زخات المطر، وعبراتها، وحاولت جاهدةً أن تقرأ حروفها الضائعة، حتى غشاها الصمت والبكاء.

حين عادت إلى منزلها، وفتحت الباب برفقٍ، رأت أمها تصلي في غرفتها، وسمعتها تناشد الله الستر واللطف.
ألقت من يدها حقيبتها، ورسالتها المبللة، الضائعة حروفها، ورأسها في حضن أمها، وبكت في قهر عظيم.

بعد مرور 365 يوم

( حبيتك بالصيف، حبيتك بالشتي، نطرتك بالصيف، نطرتك بالشتي، وعيونك الصيف، وعيوني الشتي، وملقانا يا حبيبي خلف الصيف وخلف الشتي .. خلف الصيف وخلف الشتي )

- يا نسرين، اخفضي صوت فيروز قليلا، وتعالي ساعديني يا ابنتي .
أغلقت غرفتها، واقتربت من أمها، وهمست لها " سيعود يا أمي " ..!

تمت
27 مارس 2020
الساعة 11 مساءً

نشر أول