السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
التكبر من الصفات الذميمة التي أمرنا الله عز وجل ألا نتخلق بها، والتواضع من الصفات الحميدة التي أمرنا الله أن نتخلق بها.
والتكبر هو أن يستعلي الإنسان على الآخرين بما أعطاه الله من نعم على خلقه، فهناك من يتكبر لسلطانه أو ماله أو علمه أو قوته البدنية أو غير ذلك، والتواضع عكس التكبر؛ حيث إن المتواضع لا يستعلي على خلق الله، ويعلم أن ما به من نِعم فإنما هي نِعم أنعم الله عليه بها.
وهذه المقالة هي محاولة لإلقاء الضوء على التكبر والتواضع، ونبذ صفة التكبر والتحلي بالتواضع، وأبدأ بتوضيح النهي عن التكبر والأمر بالتحلي بالتواضع في ديننا الحنيف، ثم محاولات لفهم أن التواضع واجب على الإنسان من وجهة نظر علمية، وأتطرق إلى جزاء المتكبرين، وأمثلة للمتكبرين والمتواضعين.
فالتكبر صفة نهانا عنها الله عز وجل حيث يقول الله سبحانه وتعالى: {إن الله لا يحب المستكبرين} (النحل: 23)، {أليس في جهنم مثوى للمتكبرين} (الزمر: 60)، {ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين} (الزمر: 72) ، كما أن رسول الله[ قال في الحديث القدسي الذي يرويه عن الله عز وجل: «الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار» (رواه مسلم وأبو داود والترمذي)، وقد أخبرنا رسول الله[ أن المتكبر لا يدخل الجنة فقال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» (رواه مسلم وأبو داود والترمذي)، وقد أمرنا الله عز وجل بالتواضع كما في سورة لقمان، حيث ذكر القرآن على لسان لقمان عليه السلام ناصحاً ابنه والبشر أجمعين قائلاً: {ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا إن الله لا يحب كل مختال فخور} (لقمان: 18)، كما يحثنا رسول الله[ على التواضع فيقول[: «إِن اللَّه أَوحَى إِليَّ أَنْ تَواضَعُوا حتى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلى أَحدٍ ، ولا يَبغِيَ أَحَدٌ على أَحَدٍ» (رواه مسلم)، ويقول أيضاً «ما نَقَصَتْ صَدقَةٌ من مالٍ ، وما زاد اللَّه عَبداً بِعَفوٍ إِلاَّ عِزّاً، ومَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ» (رواه مسلم).
وفي الشعر الإسلامي درر من الحكم تدعو إلى التواضع والابتعاد عن التكبر، فمنها ما قاله الإمام الشافعي:
تَوَاضَعْ تَكُنْ كالنَّجْمِ لاح لِنَاظـِـــر
على صفحـات المــاء وَهْوَ رَفِيــعُ
لا تَكُ كالدُّخَانِ يَعْلُـــو بَنَفْسـِـهِ
على طبقــات الجـوِّ وَهْوَ وَضِيــعُ
ويقول الشاعر الخليل بن أحمد الفراهيدي:
ليس التطاول رافعا من جاهل
وكذا التواضع لا يضرّ بعاقل
ولا تمش في الأرض إلا تواضعا
فكم تحتها قوم هم منك أرفع
وفي محاولة لفهم لماذا نتواضع ننظر بنظرة علمية على خلق الإنسان وتكوينه وهل من حقه أن يتكبر أم يتواضع؟
سوف نجد السطور التالية تجيبنا بكل وضوح أن التواضع هو السلوك الواجب والمفترض، وأن الكبر سلوك لا يجوز.
الإنسان يموت منه ملايين الخلايا كل يوم وتنشأ خلايا جديدة، وتتجدد الأنسجة تلقائياً (فيما عدا خلايا الجهاز العصبي)، أي أن الإنسان يموت جزء منه وتولد فيه الخلايا يوميا {يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون} (الروم: 19)، بل إن أي إنسان يمكن أن يتعرض لحادث فيبتر جزء من ذراعه أو ساقه، أو غير ذلك من أعضاء الجسم، فيدفن هذا الجزء من الجسم وصاحب الجسم حي يرزق، فهل لكائن تموت خلاياه وتولد فيه خلايا أخرى وتدفن أجزاء منه وهو حي أن يتكبر؟
أي إنسان يتعرض للمرض بسب ميكروبات صغيرة لا ترى بالعين المجردة، وتسبب أمراضا متفاوتة الشدة والخطورة، وبعضها قد يسبب عاهات، أو يسبب الوفيات، كما قد يمرض الإنسان أمراضاً عضوية أخرى، فالإنسان مخلوق ضعيف {... وخلق الإنسان ضعيفاً} (سورة النساء: 28) فهل يوجد إنسان لا يمرض؟
في بداية رحلة الإنسان في الدنيا يكون ضعيفاً، ففي البداية يكون من اتحاد النطفتين المذكرة والمؤنثة في رحم الأم، ثم ينمو ويكون مضغة ثم علقة ثم يتكون الجنين، ويخرج من بطن الأم ضعيفاً لا حول له ولا قوة، ترضعه الأم لمدة عامين، ثم ينمو ويكبر حتى يبغ أشده ومن يعمر في الأرض تتدهور صحته ويصل لمرحلة الشيخوخة ويصير ضعيفاً ويحتاج إلى الرعاية مثل الطفل الصغير: {وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} (يس: 68). فهل لمن هو ضعيف في أول حياته وآخرها أن يتكبر؟
هل فكر أي إنسان في الهواء الذي يستنشقه؟ فقد تكون بعض جزيئات هذا الهواء قد دخلت جسم إنسان آخر أقل منه شأناً، أو قد تكون هذه الجزيئات قد دخلت جسم حيوان آخر مثل الكلب أو القط أو الفأر أو حتى ذبابة أو نملة.
فالتكبر صفة تبعد الإنسان عن رضا الله، وتؤدي بالإنسان إلى النار، والتواضع صفة حميدة تقربنا إلى الله وتقربنا إلى الجنة.