يتصور البعض أن كثرة المزاح إنما هو تعبير عن طراوة النفس وطيب القلب؛ إذ أنه في الحقيقة بوابة إلى مذام كثيرة وآفات خطيرة.
ولكي لا يقع أحدنا في هذا المطب الخطير، حُذِّرنا من كثرة المزاح، وذلك لعواقبه الوخيمة.
أن للمزاح إزاحة عن الحقوق، ومخرجا إلى القطيعة والعقوق، يصم المازح ويؤذي الممازح.
فوصمة المازح أن يذهب عنه الهيبة والبهاء، ويجري عليه الغوغاء والسفهاء.
وأما أذية الممازَح فلأنه معقوق بقول كريه، وفعل ممض إن أمسك عنه أحزن قلبه، وإن قابل عليه جانب أدبه، فحق على العاقل أن يتقيه وينزه نفسه عن وصمة مساوئه.
وقال أحدهم : اتقوا المزاح فإنها حمقة تورث ضغينة.
وقال بعض الحكماء: إنما المزاح سباب إلا أن صاحبه يضحك.
وقيل: إنما سمي المزاح مزاحاً؛ لأنه يزيح عن الحق.
وقيل أيضاً: المزاح من سخف أو بطر.
وقيل في منثور الحكم: المزاح يأكل الهيبة كما تأكل النار الحطب.
وقال بعض الحكماء: من كثر مزاحه زالت هيبته، ومن ذكر خلافه طابت غيبته.
وقال بعض البلغاء: من قل عقله كثر هزله.
وذكر أحد الحكماء المزاح فقال: يصك أحدكم صاحبه بأشد من الجندل، وينشقه أحرق من الخردل، ويفرغ عليه أحر من المرجل، ثم يقول: إنما كنت أمازحك.
وقال بعض الحكماء: خير المزاح لا ينال، وشره لا يقال.
هذا الأمر يكثر وقوعه بين الناس فترى من يغلب عليه كثرة مزاحه وإسفافه وتماديه فيه
وهذا الأمر مظهر من مظاهر دنوا الهمة فالمزاح يسقط الهيبة ويخل بالمروءة
قال بعض الحكماء: (من كثر مزاحه قلت هيبته ).
وقال : (لا تـمازح الشريف فيحقد عليك ولا الدنيء فيجتريء عليك)..
وقال : (إذا كان المزاح أمام الكلام فآخره الشتم واللطام).
والمقصود أن المزاح لا ينبغي الإكثار منه ولا الإسفاف فيه أما ماعدا ذلك فيحسن لــمـا
فيه من إيناس الجليس وإزالة الوحشة ونفي الملل والسآمة وإنما المزاح في الكـــــلام
كالملح في الطعام إن عدم أو زاد على الحد فهو مذموم.