كالجهاد في سبيل الله وما يترتب عليه من مشقة وجراح وآلام، والهجرة وما يترتب عليها من مفارقة الأهل والأوطان والديار، والعمل بما تقتضيه عقيدة الولاء والبراء في الإسلام، وكذلك الصلاة في أوقاتها، والزكاة، والحج، والصيام ..
وغيرها من العبادات التكليفية الشرعية التي تستلزم بذل الجهد، وحمل النفس على خلاف المألوف وما اعتادته من دعة ورفاهية ورخاء.
ومن البلاء الشرعي التكليفي،
كذلك الإمساك عن المنهيات والمحظورات التي نهى الشارع عنها، وحمل النفس على مخالفة الهوى .. وما أقل من يقدر على ذلك!
أي اختبرناهم ) بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ (؛ أي بالرخاء والشدة، والرغبة والرهبة، والعافية والبلاء
وفي الحديث فقد صح عن النبي أنه قال:
" إن الولدَ مبخلة مجبنة مجهَلةٌ محزَنةٌ "
وهذا من قبيل التحذير والتنبيه؛ أي لا يحملنَّك ولدك وتعلقك به على البخل إذا ما استدعى الأمر منك الإنفاق في سبيل الله، كما لا ينبغي أن يحملك على الجبن إذا ما استدعى الأمر منك الإقدام، والنفير إلى الجهاد في سبيل الله.
والقسم الآخر من هذا النوع من البلاء
شرعي تكليفي
؛ كالإمساك عن الاستغناء والتوسع، وطلب سبل الخير والسعة عن الطرق المحرمة شرعاً؛ كطلب المال عن طريق الربا أو الميسر أو الغش، وكذلك طلب الصيد وقت الإحرام،
والدليل على هذا النوع من البلاء في كتاب الله، قوله تعالى:
قال: هو الضعيف من الصيد وصغيره، يبتلي الله عباده في إحرامهم، حتى لو شاءوا لتناولوه بأيديهم، فنهاهم الله أن يقربوه.
وقال مجاهد:
) تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ (
؛ يعني صغار الصيد وفراخه،
) وَرِمَاحُكُمْ (؛
يعني كباره.
وهذا النوع من البلاء قد ابتلي به مَن قبلنا من بني إسرائيل لما حرم الله عليهم صيد البحر يوم السبت؛ فكانت الأسماك والحيتان تأتيهم شُرَّعاً فتظهر على سطح الماء في هذا اليوم، وبصورة يسهل اصطيادها والتقاطها، وتختفي في سائر الأيام التي يجوز فيها الصيد بصورة يصعب اصطيادها
ففتنوا فلم يصبروا أمام إغواء الصيد السهل
فعصوا الله تعالى
واصطادوا في اليوم المحرم عليهم الصيد فيه، وفي هؤلاء نزل قوله تعالى:
وبلاء الخير في كثير من الأحيان يكون أشد فتنة ووطأً على صاحبه من بلاء الشدة والشر، فالشدة غالباً ما تحمل صاحبها على الرجوع واللجوء إلى الله تعالى، وعلى طلب العون والمدد والغوث من رب العالمين،
فيمده الله تعالى بالصبر والثبات،
بينما بلاء الخير والسعة والدعة والرخاء غالباً ما يحمل صاحبه ـ إلا من رحم الله ـ على الطغيان والظلم والتعدي، وعلى النسيان وقساوة القلب، والركون إلى الدنيا وزينتها ومتاعها، فيقع ذليلاً في أسرها فلا يستطيع الفكاك ولا الخلاص منها،
لذا نجد أن النبي صلى الله علية وسلم قد خاف على أمته فتنة وبلاء الخير والسعة أكثر من فتنة الشدة والشر،
- كما في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه
، أن رسول الله بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدومه، فوافقت صلاة الصبح مع رسول الله فلما انصرف تعرضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله علية وسلم حين رآهم وقال
:" أظنكم سمعتم بقدوم أبي عبيدة، وأنه جاء بشيء ".
قالوا :
أجل يا رسول الله، قال:
" فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أنتبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم ".
وفي رواية:
" فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم ".
-وقال صلى الله علية وسلم
:" أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا "،
قالوا : وما زهرة الدنيا يا رسول الله! قال:
" بركات الأرض .. إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بحقه، ووضعه في حقه، فنعم المعونةهو، ومن أخذه بغير حقه، كان كالذي يأكل ولا يشبع " مسلم.
وقال صلى الله علية وسلم :
" إذا فُتحت عليكم خزائِن فارس والروم، أي قومٍ أنتم؟
" قال عبد الرحمن بن عوف:
نقول كما أمرنا الله، قال رسول الله
:" أوْ غير ذلك؛ تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون، أو نحو ذلك، ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض "
مسلم.
وقال
:" وإني لستُ أخشى عليكم أن تشركوا، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافَسُوها "
" الابتلاء بالشر مفهوم أمره، ليكتشف مدى احتمال المبتلى، ومدى صبره على الضر، ومدى ثقته في ربه، ورجائه في رحمته .. فأما الابتلاء بالخير فهو في حاجة إلى بيان .. إن الابتلاء بالخير أشد وطأة، وإن خيل للناس أنه دون الابتلاء بالشر .. إن كثيرين يصمدون للابتلاء بالشر ولكن القلة القليلة هي التي تصمد للابتلاء بالخير.
كثيرون يصبرون على الابتلاء بالمرض والضعف، ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الابتلاء بالصحة والقدرة، ويكبحون جماح القوة الهائجة في كيانهم الجامحة في أوصالهم.
كثيرون يصبرون على الفقر والحرمان فلا تتهاوى نفوسهم ولا تذل، ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الثراء والوجدان، وما يغريان به من متاع، وما يثيرانه من شهوات وأطماع!
كثيرون يصبرون على التعذيب والإيذاء فلا يخيفهم، ويصبرون على التهديد والوعيد فلا يرهبهم، ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الإغراء بالرغائب والمناصب والمتاع والثراء!
كثيرون يصبرون على الكفاح والجراح، ولكن قليلين هم الذين يصبرون على الدعة والمراح .. ثم لا يصابون بالحرص الذي يذل أعناق الرجال، وبالاسترخاء الذي يقعد الهمم ويذلل الأرواح!
إن الابتلاء بالشدة قد يثير الكبرياء، ويستحث المقاومة ويجند الأعصاب، فتكون القوى كلها معبأة لاستقبال الشدة والصمود لها
أما الرخاء فيرخي الأعصاب وينيمها ويفقدها القدرة على اليقظة والمقاومة
لذلك يجتاز الكثيرون مرحلة الشدة بنجاح، حتى إذا جاءهم الرخاء سقطوا في الابتلاء!"ا
فإذا عرفت ذلك يا عبد الله عرفت المراد من قوله صلى الله علية وسلم :
" إن الله تعالى ليحمي عبده المؤمن من الدنيا، و هو يحبه، كما تحمونمريضكم الطعام و الشراب تخافون عليه "
وقوله صلى الله علية وسلم
:" إذا أحب الله عبداً حماهالدنيا كما يظل أحدُكميحميسقيمهالماء "
وإذا عرفت ذلك عرفت كذلك أن الإنعام على العبد في الدنيا بنعم الدنيا العديدة والواسعة ليس دليلاً على محبة الرب لهذا العبد ولا دليلاً على رضاه على هذا العبد ـ كما يظن البعض! ـ وبخاصة إن كان هذا العبد مقيماً على الذنوب والمعاصي.
فالدنيا يعطيها الله تعالى
من يحب ومن لا يُحب،
بينما الآخرة ونعيمها لا يُعطيها إلا من يُحب ويرضى من عباده،
كما في الحديث، فقد صح عن النبي صلى الله علية وسلم أنه قال:
" إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، و إن اللهيعطي الدنيا من يحب و من لا يحب، و لايعطيالإيمان إلامن أحب "
-فإن كان العبد مقيماً على الذنوب والمعاصي أو الكفر ومع ذلك يمن الله تعالى عليه بنعم الدنيا وخيراتها وزينتها فاعلم أنها استدراج من الله تعالى لهذا العبد، وإمهال له، حتى إذا أخذه أخذه أخذ عزيز مقتدر.
فقد صح عن النبي صلى الله علية وسلم أنه قال
:" إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا :) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ( "
- ويُمكن أن يُقال كذلك:
أن ما يمن الله به على الكافر من نعم الدنيا وزينتها، قد يكون منه جزاء على ما يفعله من حسنات، حتى إذا جاء يوم القيامة لا يكون له إلا النار،
كما في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه، عن النبي أنه قال:
" إن الله لا يظلم مؤمناً حسنةٌ يُعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعمُ بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يُجزى بها ".
والحديث فيه دليل على أن الكافر يمكن أن يعمل حسنات مستوفية شروط القبول، ويكون كفره من جهات أخرى غير جهة تلك الحسنات.
وقال
:"إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته. قال: ثم قرأ :) وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (
أي لولا أن يعتقد كثير من الناس الجهلة أن إعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطينا، فيجتمعون على الكفر لأجل المال، هذا معنى قول ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وغيرهم،
أي إنما ذلك من الدنيا الفانية الزائلة الحقيرة عند الله تعالى،
أي يعجل لهم بحسناتهم التي يعملونها في الدنيا مآكل ومشارب ليوافوا الآخرة، وليس لهم عند الله تبارك وتعالى حسنة يجزيهم بها،
) وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (
أي هي خالصة لا يُشاركهم فيها أحد غيرهم
قلت:
ومما يدل على أن العطاء ليس دليلاً ولا مقياساً على المحبة والرضى أن النبي صلى الله علية وسلم
كان أحياناً يُعطي المؤلفة قلوبهم ما لم يُعطي المهاجرين والأنصار، ولم يكن ذلك دليلاً على أن النبي صلى الله علية وسلم يحب المؤلفة قلوبهم أكثر من المهاجرين والأنصار.
ولمقاصد البلاء ان شاء الله رب العالمين جولة اخرى
واخر دعوانا ان الحمد للة رب العالمين
=======الداعى للخير كفاعلة=========
===============لاتنسى===================
=======جنة عرضها السموات والارض======
====== لاتنسى ======
======سؤال رب العالمين ======
=======ماذا قدمت لدين الله======
====انشرها فى كل موقع ولكل من تحب واغتنمها فرصة اجر كالجبال=======