عندما قال سقراط "تكلم حتى أراك "

رد عليه دوستويفسكي بعد ٢٤ قرنا


" قد يكون في أعماق الإنسان شيء لا يُرى بالكلم ولا بالصمت، شيء يختبئ بين طبقات الروح مثل جُرح قديم لا يشفيه الزمن ولا يقتله النسيان. قد يكون في أعماقه ذلك الخليط الغريب من الخوف والرجاء، من الإيمان والشك، من الرغبة في النجاة والرغبة في السقوط، حتى يصبح هو نفسه عاجزاً عن فهم ما يتصارع داخله.
​قد يكون في أعماقنا وجه آخر لا نظهره لأحد، حتى لأنفسنا أحياناً، وجه يرتجف كلما حاول العالم أن يقترب، وينكمش كلما أشرقت عليه حقيقة لا يقدر على احتمالها.
​إن الكلام لا يكفي ليظهر حقيقة الإنسان، فالأعماق لا تُرى، بل تُحَسُّ، تُلمَس بارتعاش القلوب، وتُسمع في انكسار الأصوات لحظة الاعتراف.
​قد يكون في أعماق كل إنسان ألم لم يُعلن، واعتراف لم يجد طريقه إلى النور، وصرخة أسكتت خوفاً من أن تُجرَح بها الحياة. فالإنسان لا يختبئ عن العالم بالكلمات، بل يختبئ بما صمت عنه، بما آثر أن يدفنه في داخله لئلا ينكشف ضعفه.

هناك، في تلك الأعماق التي لا يصلها صوت ولا يلمسها منطق، يبدأ الوجه الحقيقي للإنسان. هناك تتجلى الجراح القديمة، المخاوف التي لم تُقَل، الحكايات التي لم تُروَ، والأسرار التي نحملها معنا رغم ثقلها.
​نعم... قد يكون في الأعماق ذلك السر الذي يبرر كل حزن نحمله، وكل خطيئة ارتكبناها، وكل حيرة نعيشها. وإن كان الكلام يكشف وجوهنا للعالم، فالأعماق وحدها تكشف وجوهنا لأنفسنا."

البريئة ! معجب بهذا